أسماء، وشعوب - جمال حسن المندلاوي


أسماء، وشعوب - جمال حسن المندلاوي


تولدت عن علاقة الجماعات البشرية إحداها بالأخرى، آراء وانطباعات كانت في ناحية منها سلبية، وفي أحايين منها إيجابية، حسب الجوّ العام الذي يحكم تلك العلاقات. فتعرفت جماعة إلى أخرى من خلال أوصاف وتعاريف أطلقته إحداها، بشأن الأخرى نتيجة لظروف، بل أحياناً أزمات وضغوطات، أو رجحان ميزان القوى لصالح أمة أو شعب، أو فئة على حساب الأخرى.
فنرى من إفرازات هذا الواقع مثلاً، أنّ الفرس قديماً قد أطلقوا، على العرب تسمية تازي وهي تعني بالفارسية هجوم أو غارة، وهو اسم غريب كما يبدو للوهلة الأولى، إن لم نعين السبب الذي من أجله ظهر مثل هذا التوصيف.
يقول الباحثون والمطلعون في مجال التاريخ، لما كان العرب القدامى، ينطلقون باتجاه الأراضي التي يحكمها الفرس، من التخوم الصحراوية المحاذية للدول والممالك التي أقامها هؤلاء. فان الفرس لم يعرفوا العربّ إلا من خلال هذه الغارات المفاجئة، والمباغتة والتي سرعان ما كانوا يرتدّون بعدها، إلى مجاهل بيداواتهم! دون تمكن الفرس من تعقبهم.
وقد اضطر الفرس القدماء لهذا السبب بالذات، إلى إقامة دويلة عربية حاجزة، متمثلاً ذلك بدولة المناذرة، قبل الإسلام، كي تصدّ هجمات البدو على تخوم المناطق الفارسية! في حين أن العرب لم يعرفوا الفرس، إلا بتسمية عجم!! وهم مجرد فرع أو إمارة واحدة، من مجموع الفروع والإمارات التي تكون منها الشعب الفارسي، باسم "آجام" والتي عرّبت إلى عجم، أي أن تسمية العربّ للفرس بالعجم، قد جاء من باب تعريف الجزء، وهم العجم بالكلّ، وهم الفرس.
بل توسع العرب في استعمال كلمة عجم، في إطلاقها على كل من أعجم أي لم يتكلم العربية، إن كان فارسياً أم لا.
كما اعتدنا، أن نسمي ذلك الشعب القديم، الذي استوطن جهات بلاد المغرب العربي، بالبربر! وفسّر بعض ثقاتنا، بأن مصدر الاسم، من البربرة أي السرعة في الكلام، في حين، فسّر آخرون بأنه سرعة الكلام، في حين من الغضبّ. غير أن البربر سموا أنفسهم بالأمازير، أي الرجال الأحرار ولتأثرهم بما تركه الغزاة الفرنسيّون، من آثار في لغة السكان المحليّين، صاروا يسمون أنفسهم "أمازيغن".
كما درج أجدادنا، والمعمرين بين ظهرانينا على تسمية الأتراك بالروم، لأن أراضي الأناضول، تركيا حالياً كانت محكومة بالروم البيزنطيّين، وهم شعب اليونان وبالأخصّ في القرون الوسطى، فجاء تسمية الأتراك اللاحقين بمن سبقهم، من الروم اليونانيوا الأصل. حتى أن العراقيّين على قول الدكتور علي الوردي في كتابه دراسة في طبيعة المجتمع العراقي، أشار إلى جملة طالما كرّرها العراقيّون في العصر الحديث، كلما لاحت في الأفق بوادر أزمة، أو نزاع مع الإيرانيّين، وهي "بين الفرس والروم بلوة أبتلينا".
العجيب في أمر الأسماء، أن نرى اختلاف مسمى المصريين القدماء، وهم الفراعنة، عن مسماهم لدى أنفسهم، فهم يطلقون على أنفسهم تسمية الأقباط وهم الآن القومية، والديانة الثانية في مصر بعد العرب المسلمين. وفي لقاء تلفزيوني مع الباب شنوده، راعي الكنسية القبطية، في مصر والعالم، ذكر أن تسمية أقباط جاءت من إكبت، أو إجبت إحدى أسماء مدينة طيبة، عاصمة الفراعنة، في مصر القديمة، والتي جاءت منها تسمية ايجبت (Egypt) في اللغات الأوربية القديمة والحديثة على حدٍّ سواء.
أما بخصوص سومر، الاسم الأقدم لبلاد الرافدين أو النهرين ولا فرق، العراق في الوقت الحاضر، فيرى البعض أن الاسم، قد جاء من إحدى الأسامي التي كانت تطلق على مدينة نفّر أو نيبور المقدسة، لدى السومريّين من باب تعميم اسم هذه المدينة، على القوم الذين أقاموها واتخذوها محجاّ لهم. وهذا الرأي، في تقديري أرجح الآراء، التي فسّرت ظهور هذا الاسم بهذا اللفظ.
ويجب أن لا ننسى أن سومر، كانت مرادفة كاسم لاسم آخر، وهو أكد ، التي قال العلماء حول ظهورها، أنها كائنة في جهات شمالي بلاد سومر حوالي جنوب بغداد الحالية. باسم أكاده، وهي مدينة تكاد أن تكون مجهولة، وحار العلماء عموماً، في تعيين موقعها على وجه الدقة.
والطريف أن الترادف على الاسم، إن جاز لنا قول ذلك، ظل حالةً لغوية، رافقت أسماء شعوب كثيرة في العالم! فالروس قديماً سميّوا بالمسقوف ولاشك أن هذا الاسم، آتٍ من مدينتهم أو عاصمتهم، التي أطلقوا عليها بالروسية "مسكوفا" وظلت روسيا الحالية، في القرون الحديثة تسمّى "مسكوبيا" غير أنّ الألمان أطلقوا، على الروس مسمّى سلاف، والشعوب اللاتينية تداولت لفظ سكلاب. وقد أقتبسها العرب قديماً أيام الأمويّين والعباسيّين بشكل "صقلب" وجمعوها صقالبة. وإذن فيجب أن لا يختلط على القارئ في الوقت الحاضر، اسم (صقلية) إحدى الأقاليم الإيطالية التي حكمها العرب المسلمون قديماً، واسم الصقالبة المراد بهم لدى العرب في صدر الإسلام أمة الروس الحالية.
كما سميت فرنسا قديماً، بلاد الغال، وأسبانيا الأندلس نسبةً إلى قبائل الأوندال أو الوندال الجرمانية، وبلادهم أندلوسيا، ولدى العرب الأندلسّ والألبان عرفوا بالقرناقووط، أو الأرنائووط كما هو شائع لدى المصريين والشاميّين، وأهل البوسنة والهرسك بالبوشناق، واليونانيّون بالكريك نسبةً إلى قبائل الإغريق، والأثيوبيون بالحبشة.. إلى غير ذلك من أسماء ومسميات. وتعدّدت الأسماء والمسمّى واحد.