الى الاخوة الكورد الفيليين مع التحيّة - جمال حسن المندلاوي
في إحدى المنتديات الثقافية التي عقدت جلسة.. في إحدى أيام الصيف من عام 2010م، دارت مناقشة إن صحت أن نسميها بالحوارية بين أحمد السوره ميري، مدرس لغة كوردية- خريج كلية اللغات، عدا إلمامه باللغتين الألمانية والإنكليزية، والأستاذ الفاضل عادل شوهاني، الأمين العام، لحركة الإخاء الكوردي الفيلي العراقي؛ حول موضوع حساس أعتبره كرأي شخصي، موضوع الساعة! والذي لابد من تناوله على بساط البحث لضرورات المرحلة التي نمر بها جميعاً.
بدأ أحمد السوره ميري، بالقول: "أنا وإن كنت كوردياً شيعياً، إلا أنني لست فيلياً، لأنه ليس صحيحاً، أن كلّ كوردي شيعي لابدّ أن يكون كوردياً فيلياً بالضرورة!".
ورغم هدوء الأخ عادل شوهاني أمين عام حركة الإخاء الكوردي الفيلي كما تقدم، غير أن الذي بدا لي، أن الأخ عادل، قد إستاء كثيراً من موقف الأخ أحمد.. فلجأ مضطراً إلى القول، "ألست من عشيرة السوره ميرى أليست عشيرة السوره ميرى، عشيرة لورية" فبادر الأستاذ أحمد إلى القول: "عشيرة السوره ميرى، فرع من الكلهر، وليس من اللور والكلهر ليسوا بالفيليّين" فأخذ الأخ عادل يحاول أن يثبت، عدم صواب ماذهب إليه الأخ أحمد، بتعداد المناطق التي يتواجد فيها أبناء عشيرة السوره ميرى في لرستان أو مناطق الجانب أو الشطر الإيراني، من مناطق تواجد الكورد الفيليّين.
على العموم، إنتهى النقاش، ولابد أن يكون في الحقيقة، عقيماً في مثل هذه المواضيع، إلا أني رأيت صراحةً في موقف ورأي الأخ أحمد.. طرحاً وجيهاً، وإعتراضاً في محله! يتعين علينا جميعاً ممن نخالفه الرأي والنظر، أن لانلومه عليه، بل أجد له الكثير من العذر؟!
فلو سألنا، على سبيل المثال، هل من الصواب أن نعتبر أي كوردي يقيم في بغداد، وهي عاصمة دولة عربية كبيرة عربياً، طالما كانت بغداد مدينة عربية أو مسكونة بغالبية كبيرة من العرب؟
والجواب بديهياً معروف. بمعنى آخر هل من الصواب أن نحكم على عشيرة كلهر، وهي عشيرة قائمة بذاتها مثلها مثل عشيرة اللور، إن لم تفقها بالعدد بأنها فيلية طالما وجدنا، البعض من أفخاذ هذه العشيرة تقيم، في مناطق تواجد الكورد الفيليين. فإذا كان الأمر كذلك لحق لنا إعتبار الكلهر كورد سورانيّين على أساس وجود أفخاذ كثيرة من هذه العشيرة، في مناطق الكورد السورانيّين تساوي أعداد أولئك الكلهريين المتواجدين في مناطق الفيلية، إن لم تفق دون مبالغة أعداد الكلهر، في أطراف لرستان وجهاتها العديدة. وينطبق الوضع على الكلهريين المتواجدين في مناطق الكورد الكرمانج.
ولو إتخذنا المذهب الشيعي، قياساً نحدد به إنتماء الفرد، إلى الكورد الفيليّين لكان الأولى إعتبار الشبك من الكورد الفيليّين، طالما كانت غالبية الشبك من الشيعة! كما حاول أحد النشطاء السياسيّين، من الفيليّين أنفسهم متمثلاً، بأمين عام حزب الوحدة الديمقراطي الكوردي الفيلي، الأستاذ الأخ عبد الواحد فيلي، تصوير وضع الشبك باحتسابهم في عداد الشريحة الفيلية، طالما رأى أنهم شيعة. ولكني أمام هذا التخريج أرى أننا أصبحنا أمام معضلة أخرى! وهي بماذا عسانا أن نعلق، إزاء ممثل الشبك، في البرلمان العراقي الأستاذ حنين قدّو؟! الذي لايلغي، كوردية الشبكّ!! بل يعتبرهم شعباً قائماً بذاته له هويته الإثنية المميزة، عن الشعب الكوردي.
بل أن الأخ عبد الواحد فيلي، حلّق بعيداً جداً، عندما أدخل الهوراميين، المقيمين بين جهات بياره-طويلة، في جهات حلبجة في كوردستان العراق في التشكيلة التي يتألف منها المكون الكوردي الفيلي أو الشريحة الكوردية الفيلية. ولكننا أمام هذا الزعم، صرنا عاجزين تماماً، عن إيراد الدليل، حول إنتماء الهوراميّين إلى الكورد الفيليّين. لو علمنا بوجود الحزب الهورامي القومي الحرّ، الذي يقوده الشيخ عبد الرحمن النقشبندي، الذي لم يصرح لا هو، ولا أيّاً كان من أعضاء حزبه، بما يدل على عودة الهوراميّين أو مرجعيتهم القبلية، اوالعشائرية إلى الفيليّين. ثم إن تحديد الإنتماء الفئوي إلى جماعة معينة، على أساس المذهب يجعلنا ليس في نظر الخصوم فقط بل في نظر الكثيرين، ممن يتعاطف مع همومنا، وقضايانا الإنسانية، ويتفق معنا في التوجهات؛ فئة متطرفة! تريد أن تتوسّع على أساس طائفي صرف! مما يفقدنا الشعبية والتعاطف الواسع الذي لنا أن نحرزه، لدى باقي الأطياف والمكونات، سواء في العراق أو في إقليم كوردستان.
وآسف حقيقةً، أن الأخ الأستاذ عادل شوهاني، أمين حركة الإخاء.. لم يضع نفسه في مواجهة هذا السؤال الذي طرحه الأستاذ أحمد السورەميري لأنه والكثير من إخوتنا، زعماء النخب وقادة الأحزاب الفيلية، لم يحملوا هذا الأمر محمل الجدّ، واقنعوا أنفسهم بأن تبلور الشعور، بالإنتماء إلى الشريحة الفيلية، هي مسألة وقت! وبحاجة إلى تنامي دور الأحزاب، والقوى التي أسّسها هذا وذاك، من الناشطين السياسيّين من أبناء الشريحة الفيلية.
وفاتهم أن الأفراد، الذين يحملون نفس التصور، الذي يحمله أحمد السورەميري، من الذين نظن أنهم أشخاص قلائل، معدودين على الأصابع هنا وهناك، وهذا محض خيال هم قلة لها أن تتنامى وتزدهر بما يجعل منها ندّاً قوياً، وخصماً عنيداً امام هدف توحيد المكون الكوردي الذي يقيم خارج إقليم كوردستان بالتحديد في جهات وسط وجنوب العراق، تحت تسمية الفيلية.
كان الأولى بالأستاذ الأخ عادل، أن يبيّن بأن توحيد الكورد من غير الفيليّين مع الكورد من الفيليّين، مسألة تستدعيها المصلحة القومية العامة، للشعب الكوردي، في وسط وجنوب العراق!! كما إن عملية توحيد هذين الفريقين من الفيليّين، وغير الفيليّين، هي من الضرورات المصيرية! لأن مستقبل أحد الفريقين يرتبط بالآخر، طالما كان كلا الفريقين من أتباع مذهب أهل البيت من ناحية ويتكلمان بلهجة، تكاد أن تكون واحدة! هذا من ناحية ثانية.
التوزيع الجغرافي للغة الكردية واللغات الآرية ويشير اللون الأحمر إلى اللغة الكردية |
إلا أن النظرة المحدودة، لقادة الأحزاب والحركات السياسية الفيلية، الراغبة في توسيع تداول إصطلاح الفيلي على كامل المساحة الجغرافية، التي يتواجد على رقعتها، أي كوردي شيعي في وسط وجنوب العراق، هو مافوت على الأخ عادل وغيره من النشطاء أن يعلم، بأن الانطباع المتكون، من إنتماء كل كوردي شيعي إلى الشريحة الفيلية، فكرة لم يفرضها الفيليّون أنفسهم على الكورد من غير الفيليّين الذين يشاركون الشريحة الفيلية التوطن في نفس الأماكن والجهات!
بل هي عدوى فكرية، إنتقلت إلى أبناء الشعب والمجتمع العراقي عن طريق الحكومات الشوفينية، التي تناوبت على حكم البلد، وقد كانت في غالبيتها حكومات طائفية، فأخذت الفئات والشرائح الاجتماعية بهذه الفكرة، التي كرستها السلطات المتتابعة، على مدى 80 عاماً من عمر الدولة في العراق إبتداءاً من عام 1921م إلى عام 2003م.
وإلا فإننا لانرى لهذه الظاهرة الملفتة للنظر (المتمثلة بهذه الأفكار والانطباعات التي شرحنا تداعياتها) مثيلاً، إلا في العراق حصراً، دوناً عن بلدان أخرى، تضم أكراد يعتنقون مذهب أهل البيت.
والسؤال بعد ذلك: إذا كان الكوردي الشيعي في العراق، يسمّى فيلي فما هو إسم الكوردي السنّي؟!
فإن قلنا، بأن الكوردي السّني هو السوراني على سبيل الفرض، فالواقع يشير إلى أن البهدينانيين أيضاً من أهل السّنة والجماعة!! فإنعدام تسمية خاصة بالكورد السّنة تجعلنا غير قانعين، بوجود تسمية خاصة بالكورد الشيعة!
لأننا لانرى للكوردي الشيعي في إيران ذاتها، وهي من أكثر الدول والبلدان التي توالت عليها الحكومات الشيعية، تسمية خاصة، بمتشيعة الشعب الكوردي! وإن تركنا إيران جانباً، فوجود كورد شيعة في تركيا، وسوريا، ولبنان من الحقائق المفروغ منها، لكل مطلع على أوضاع هذه البلدان، فما هي تسمية الكوردي الشيعي، في كل بلد على حدة من هذه البلدان؟! والجواب: لاوجود لمثل هذه التسمية!! وإذا كان لنا أن نعتبر كل كوردي شيعي، ليس في العراق بل في كل الدول المجاورة، للعراق فيلياً ، فهل يجوز لنا أن نفعل ذلك، فإذا قال لنا أحدٌ، أن ذلك لايجوز! فالجواب عن هذا التساؤل المطروح يتطلب أن نحدد دلالات هذه التسمية، أو هذا الاصطلاح تحديداً ينطبق بشكل أكثر واقعية مع المعاني التي يحملها، لا أن نحمّل تسمية الفيلي من المعاني والدلالات فوق ماتحتمل.
ثم أن هناك إشكال يعاني منه أغلب زعماء القوى والأحزاب الفيلية، هي مسألة التمييز بين مرجعية اللور، ومرجعية الفيليين بل إن قادة الأحزاب والحركات السياسية، في هذا المكون، يجهلون تماماً بأن الـ(لورّ) مجرد عشيرة واحدة فقط، من مجموع العشائر التي تتكون منها الشريحة الفيلية، لا إرجاع الكورد الفيليّين إلى الـ(لورّ) وهذا خطأ شائع لابد من تصحيحه. ولنا في المصادر التالية التي تؤكد هذه الحقيقة، وهي مرجعية الـ(لورّ) إلى الكورد الفيليّين، لا العكس خير دليل على ماأوردناه:-
- يقول ثامر عبد الحسن العامري، في الجزء السادس، من العشائر العراقية وهو الجزء الخاص بالعشائر الكوردية ص112 الصادر، في بغداد عام 1993م، مانصّه:- "يبدو أن الفيلية، مصطلح عام يشمل اللور أيضاً" إنتهى.
- المحامي نجم سلمان مهدي، في الفيليّون الصفحة 114، الصادر في إستوكهولم عام 2001م، يقول:- "والحال أن اللر، مجرد قبيلة واحدة من القبائل الفيلية إنتهى.
- يقول الدكتور، منذر الفضل، في دراسات حول القضية الكوردية، الصفحة 68، صادر في أربيل عام 2004م بالحرف الواحد:- "الكورد الفيليون، الأصل الحقيقي للشعب اللوري، والأخير جزء من الشعب الكوردي" إنتهى.
- ذكر الدكتور محمد عبد الله عمر، في بحث نشر له، في العدد "4222" من جريدة التآخي، بعنوان فيلي، بتاريخ 5/4 عام 2004م قائلاً:-
"كلمة فيلي، أوسع من كلمة لور! لأن الأولى ذات مدلول جغرافي، لغوي، سياسي. بينما كلمة (لور) تعد إسماً لعشائر كوردية، هي جزء من الشريحة الفيلية" إنتهى.
كنت في الحقيقة أنتظر، من الأخ عادل شوهاني وغيره، من قادة النخب السياسية، إظهار حنكة دبلوماسية ولباقة أكبر، مع الأخ أحمد السوره ميري ومن يشاطره الموقف، والتوجه الفكري، بشكل يبرهن فيه للأخ أحمد أن الضرورة القومية، والمصلحة المصيرية الواحدة تتطلب منكم (أي من الكورد الشيعة، من غير الفيليّين) أن تتحدوا معنا، نحن الفيليّين، تحت نفس الاسم، أو بالأحرى تتحالفوا معنا، بتقبل تسمية الفيلية كتكتيك مرحلي، وكإجراء أو تدبير زمني مؤقت، في وجه المخاطر التي تنتظرنا وتنتظركم في المستقبل، فأكثرية الأكراد الشيعة في وسط وجنوب العراق ممن لايرون أي صلة فعلية أكيدة، تربطهم بالفيليّين، حالهم حال الكورد الفيليّين يقيمون خارج مناطقهم التقليدية إبتداءاً من قرة تبة، وخانقين شمالاً مروراً بمندلي، وبدرة، وزرباطية وصولاً إلى العلي الشرجي، والعلي الغربي، وكميت جنوباً لأسباب يعد بحثها هنا خارج موضوعنا هذا.
فإن لم نتحد، مع بعضنا البعض، في صيغة نتفق عليها، ولو مرحلياً أو آنياً، فمن يضمن عدم ظهور حكومة على غرار، أو على شاكلة حكومة البعث، تنظر إلى كل كوردي شيعي على أنه إيراني! لتنفي هذه المرة، وذلك ليس ببعيد كل كوردي إعتنق مذهب أهل البيت، سواء كان فيلياً، أم لم يكن إلى إيران!!
فالمسألة تكمن إذن، في الدواعي المصيرية، والمستقبل المصيري الواحد، والاختلافات موجودة بعد ذلك بداهةً، بل مقبولة! ولاتفسد للودّ قضية إن كانت آفاقنا الفكرية والنفسية تسع رأي الآخرين، بل إن كانت نوايانا في خدمة قوميتنا سليمة.