تغريب الدكتور العلامة مصطفى جواد عن الشعب الكوردي لمصلحة من؟!! - جمال حسن المندلاوي

تغريب الدكتور العلامة مصطفى جواد عن الشعب الكوردي لمصلحة من؟!! - جمال حسن المندلاوي

عالم كبير، وباحث أريب، وأديب ألمعي، وكاتب قدير، ومؤرخ ثبت.. قل نظيره في اللغة، والأدب والتاريخ والخطط. تدل على ذلك كتبه القيمة التي ألفها، ومنها المعجم المستدرك الذي مازال مخطوطاً لم يطبع! والصبح النذير للمصباح المنير، ومن سيدات البلاط العباسي!
وقلّ ولا تقلّ، وفقه اللغة، والقلب والإبدال، ونهج السداد في كلام النقاد وموضوعة تمحيص النقد اللغوي، الذي كتبه الكاتب، الأديب الأستاذ إبراهيم اليازجي في كتابه (تذكرة الكاتب) ودراسات في فلسفة النحو، واللغة، والصرف، والرسم وتدل على ذلك مقالاته الممتعة التي نشرها في مجلات (لغة العرب، والرسالة والثقافة، والمقتطف، والهلال، والعربي والمكتبة وغيرها). ومن نافلة القول أن ما يتركه المبدعون من عصارة معاناتهم، وروائع نتاجاتهم، وثمرات كفاحهم الطويل.. إرث إنساني مشاع، ليس لفئة أو جماعة، أو أي طائفة أن تدعي الحقّ لوحدها فيه فتحتكره، مستحوذة عليه لمصلحتها منزوية بهذا الإرث لذاتها، ومستبدةً به لحسابها دوناً عن الآخرين.
وتبقى تلحّ على الأوفياء، والمقرين بهذه الجهود، والمقدرين لهذه المشاقّ لإنارة درب الإنسانية، جملة من الهواجس والتساؤلات عن منشأ هؤلاء النابغين من الذين لازالوا مخلدين في ذاكرة الأجيال متمثلة بطفولتهم وبداياتهم. ومحيط تواجدهم الإنساني الذي عاشوا وترعرعوا فيه. لولوج ما خفي من أسرار نجاحاتهم وما دفع إلى سطوع سيرتهم، في ليل الإنسانية البهيم، الذي أضائوه بنور توقدهم، وشعاع علمهم ومعرفتهم. طالما كانوا الأسوة الحسنة التي تستلهم الأجيال من سيرة حياتهم الدروس والعبر.
ومثلنا الأعلى، في ذلك الكثير من المبدعين والنابغين. بما فيهم العلامة الدكتور مصطفى جواد، المشمول بالبحث في هذه الجولة السريعة، الذي ينازعنا فيه للأسف إخوتنا التركمان، الذين يزعمون أنه (طاب ثراه) من أصول تركمانية؟! ونضع أمام إخوتنا هؤلاء، مجموعة من الأسئلة والاستفسارات منها:-
- لو كان مصطفى جواد، تركمانياً بالفعل فلم أزالت الدولة، تمثاله الذي أقامته بنفسها، في بداية عقد السبعينيات من القرن الماضي، عند مدخل مدينة (دلتاوه) الخالص الآن.
في حين أنّ الدولة العراقية، أيام النظام المباد، قدّ أقامت مهرجاناً للشاعر التركماني (فضولي) الذي شارك احتفاء العراق به عام 1994م، كلّ من جمهورية أذربيجان والجمهورية التركية!
ولا ننسى أنّ احتفاء الدولة، في تلك الأيام بالدكتور مصطفى جواد بإقامة تمثالٍ له دون إزالته، أو المبادرة إلى تخليد ذكراه بإقامة مهرجان سنوي يشيد بتراثه ومساهماته، هذا إن سلمنا جدلاً، بأنه من أصول تركمانية. كان سيكون من الأسباب التي ستقوي عرا الصداقة والمحبة مع تركيا، وشقيقاتها من الدول الناطقة بالتركية سواءٌ بسواء! ولو أحتجّ إخوتنا التركمان، بمذهب الدكتور مصطفى جواد الشيعي كسبب لإعراض الدولة عن إيلاء الاهتمام المرجو، والمأمول بهذه الشخصية الكبيرة، طالما كان الحكم القائم آنذاك، حكماً طائفياً رجعياً، إلى آخر هذه التبريرات. فنسأل لِم لَم تتخذ الدولة في تلك الفترة، موقفاً طائفياً من الشاعر فضولي التركماني نفسه، وقد انحدر من بيئة شيعية هو الآخر (جدل الهويات، ص152، سليم مطر) بل إنه قد دّفن في صحن الروضة الحسينية الشريفة، في كربلاء المقدسة (جدل الهويات، ص153) كما هو معلوم لدى كلّ مطلعٍ على سيرة حياة هذا الشاعر التركماني، والشيعي أيضاً في آنٍ واحد!
وهذا السؤال، يطرح نفسه بإلحاح، فما السرّ في هذا التمييز، إن كان صحيحاً أنّ الدكتور مصطفى جواد كان تركمانياً بالفعل!!
- إن ولادة الدكتور، مصطفى جواد، في محلة عقد القشل، عام 1910م، بالرجوع إلى أغلب المصادر، التي دوّنت سيرته (راجع الصفحات 11، 12، 13 من مصطفى جواد، حياته، ومنزلته العلمية، الدكتور محمد عبد المطلب البكاء). وهي محلة معروفة بكونها، كانت ولازالت مقطونة بأغلبية كوردية فيلية، بل منذ القدم، وهي واحدة من محلات بغداد القديمة. ليسقط في أيدينا، وأيدي المنصفين، حقيقة أصله الكوردي الفيلي، لا التركماني؟!! وهذا هو السرّ الخفي من وراء إزالة دولة البعث العنصرية، لتمثال هذا العلامة للأسف من مدخل مدينة (دلتاوه) الخالص، المعروفة هي الأخرى، بكونها كانت قضاءً تقطنه أغلبية كوردية فيليه، وهي أي الخالص مسقط رأس آباء الدكتور، العلامة مصطفى جواد!
حتى أن سلطات النظام البائد، عمدت إلى إخلاء، هذا القضاء، من آخر من تبقى فيه من عوائل كوردية فيليه، على شكل دفعات نهائية كتفريغ هذا القضاء من أفراد هذه الشريحة، بين سنوات 1998م-1999، وعام 2000م. للقضاء على أي مرتكز قومي تتخذه الجهات الثقافية، التي سينشئها الكورد الفيليّون مستقبلا، كقرينة على الهوية الكوردية الفيلية لهذا القضاء، موطن آباء العلامة المشمول بالبحث في هذا الموضوع.
يقول المحامي نجم سلمان مهدي في كتابه (الفيليّون) صفحة 316، عند حديثه عن عشيرة السوره ميري الكوردية الفيلية ما هو نصه:
"ومن أبرز شخصيات، هذه الطائفة في العراق، الدكتور مصطفى جواد، الذي اعترف خلال مصاحبة تلفزيونية بانتمائه إلى هذه الطائفة" انتهى في الحقيقة ليس بمستغرب، على من يحيل أصل الدكتور مصطفى جواد إلى غير أرومته القومية، أن يفعل ذلك!
فان كانت الكثير من الجهات التركمانية السياسية تحيل مناطق الكورد الفيلييّن برّمتها، ابتداءً من خانقين شمالاً مروراً بمندلي في الوسط، وصولاً إلى بدره، وزرباطية جنوباً إلى مناطق للوجود القومي التركماني حسب الخرائط القومية المعتمدة لدى هذه الجهات السياسية من أحزاب، وقوى، وحركات (راجع الخريطة التي تشير، إلى تواجد التركمان في شمال العراق، ابتداءً من الموصل مررواً بكركوك، وصولاً إلى مناطق الكورد الفيليّين، المتاخمة للحدود الشرقية مع إيران، متمثلة بالجهات الشرقية من محافظة ديالى، والشمال الشرقي من محافظة واسط، المرسومة بالكتابة الإنكليزية، في الصفحة 369 من كتاب الذات الجريحة، لسليم مطر طبعة عام 2008م، بغداد، بيروت، جنيف) وكذلك الخريطة المنشورة في الصفحة 129 من كتاب جدل الهويات ولكن باللغة العربية، لسليم مطر أيضاً.
قلنا حسب الخرائط القومية المعتمدة لدى هذه الجهات السياسية من أحزاب، وقوى، وحركات تنادي بحقوق التركمان في العراق.
فليس بمستغرب، أن تزيّف مثل هذه الأحزاب، هوية هذا العلامة الذي ظهر بين أبناء هذه الشريحة الممتحنة المغلوبة بالفعل على أمرها. لقد تعدى الوضع، إلى ما هو أنكى، فهذا موسى أفندي البياتي أبرز الدعاة القوميين من التركمان، في كتابه مندلي عبر العصور الصفحة 414، يدّعي بشأن عشيرة قرالوس، أشهر عشائر هذه المنطقة المعروفة بالروح القومية الوقادة، التي أحالها، أي هذه المنطقة المسكونة بأغلبية كوردية فيلية، إلى بقعة تركمانية في خرائطهم القومية. بما فيهم موسى أفندي البياتي نفسه قائلاً:-
"وأما أنهم من الترك، فهذا لا اشتباه فيه أصلاً" انتهى. فتصوّر مدى الجرأة في الكذب والإدعاء.
ويجدر بنا أن نقول، أن ولادة الدكتور مصطفى جواد، لو كانت في الصليخ إحدى أحياء الجانب الشرقي من بغداد، المعروفة، بتوطن أكثرية تركمانية فيها، لأجبنا، وأقررنا بمزاعم الإخوة التركمان، بتركمانية الدكتور مصطفى جواد، ولكن القاصي والداني من المطلعين، والمتابعين، والمهتمين يعلم علم اليقين، بولادة العلامة في عقد القشل، إحدى محلات الرصافة القديمة الشهيرة بغالبية كوردية فيلية من سكنتها. فأين هذه من تلك.
وأرى أن أروي، في هذا المقام، حادثة طريفة، عن لسان الباحث الكوردي محمد علي السويركي، وقعت أيام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أظهر فيها السفير التركي امتعاضه من وجود، إذاعة ناطقة باللغة الكوردية في الجمهورية العربية، وهو الاسم الذي عرفت به جمهورية مصر أيام عبد الناصر. فما كان من الرئيس الراحل إلا أن سأل السفير التركي بدهاء هل لديكم أكراد في تركيا، فأجاب السفير التركي كلا، فقال الرئيس جمال عبد الناصر، وإذن فلا داعي للامتعاض والقلق، من وجود إذاعة ناطقة باللغة الكوردية في القاهرة والحليم تكفيه الإشارة.