مطالبنا الضائعة بين الامتيازات الحزبية واستعراض المقدرة على إقامة المؤتمرات والاحتفالات - جمال حسن المندلاوي
أحزاب لا يتجاوز المنضمون إليها عدد الأصابع ولا يتعدى وجودها على الساحة، مجرد البناية التي تحمل اسم الحزب وكفى، مع حراسة مُشدَّدة كالمعتاد، وفي أحسن الأحوال صحيفة بائسة وجودها في نظر القراء كعدمه! ومؤسس الحزب، أو رئيس الحركة، إما أنه يقيم خارج محافظة بغداد، إن لم يكن خارج العراق. أو مشغول بنشاط أو وظيفة بعيدة جداً، بل نادراً ما تكون ذات صلة، ولو ضعيفة بنشاطه السياسي. وهؤلاء القياديّْون لا يردّْون على اتصالك في أغلب الأحيان، بعد أن وزعوا كارتاتهم الشخصية على الزوار والضيوف! بسبب المبالغة الزائدة في اتخاذ الاحتياطات الأمنية، والتي يتوقع صاحبها حدوث المكروه في أيه ساعة، في حالة ما إذا اضطررت كمهتم، وكذلك كصحفي، أم كباحث للاتصال بأحد هؤلاء لأجراء لقاء، أو توجيه دعوة من نوع ما، أو إعداد بحث تستطلع فيه رأي هذا القيادي أو ذاك بشأن مسألة مصيرية، أو ماله علاقة بالأوضاع السياسية التي من المفترض أن يتصدى لها هذا الحزب أو غيره، إن كان أمينة العام مستعداً لأن يتصدى ويملك الكفاءة والمقدرة الروحية والمعنوية الحقيقية كي ينهض بأعباء هذه المهمة الشعورية ومتطلباتها، إن لم يتذرع صاحبنا وأمثاله بالسفر، ومن عدم تواجدهم داخل العراق، ووجهة سفرهم في أغلب الأحيان، إلى إيران؟! بل إلى درجة بلغ الحال بأحدهم، ولفرط خشيته، أن يقضي الليل كله في المطالعة والقراءة، بعد أن أخذ منه الخوف أو هجوم أحد المسلحين كُلَّ مأخذ، ليقضي ساعات النهار في نوم عميق إلى ما بعد الظهيرة. ليدفع عن نفسه غائلة العدوان، والهجوم المسلح متى ما وقع مثل هذا العدوان، دون أن يسألوا ما هي درجة الأهمية، والدور المؤثر لهم على الساحة السياسية لو كان لهم ان يحتلوا مثل هذا الدور النشط والتأثير المفترض بهم أن يتركوه، كي يعيشوا كل هذا الرعب. وإن كانوا خائفين إلى هذا الحَدّْ، فهل كانوا مضطرين كي يمارسوا عملاً شاقاً، يكلفهم الأرق، والتوتر الدائم. فمن يعجز عن توفير الأمن والسكينة لنفسه، فهل هو بقادر على أن يوفر الطمأنينة والدعة لغيره. وأنّى لهؤلاء أن ينالوا ثقة الناس في دفاعهم عن مطالب المظلومين، وحقوق المستضعفين كما يتظاهرون وهذا هو حالهم. أم أن الدعم والإغراء المادي من الأحزاب الكبيرة، ذات الإمكانات المالية الضخمة وكذلك الهائلة بل الخيالية ليمارسوا العمل بالوكالة نيابةً عن هذه الأحزاب بين أوساط الكورد الفيليّْين هو ما يورطهم في مغامرة محفوفة بالمخاطر كما يُعبّْر عن ذلك واقعهم البائس، ولسان حالهم يقول: إن الامتيازات الكبيرة، والمكاسب الكثيرة من خلال الدكاكين الحزبية التي نديرها، تستحق منا وبكل أمتنان تحمل المشاق والمتاعب لديمومة المكاسب ومردوداتها المالية. أما الفيليّيْون فليس لهم منا سوى المؤتمرات على سبيل الدعاية المدويّة، والخطب العصماء، والمقالات المتباكية على حقوق هذه الشريحة في صحافتنا، وإعلامنا الهابط!!
العجيب في أمر هؤلاء القيادييّْن أن يحملوا إلى ساعة كتابة السطور القاباً عربية، دون أدنى تفكير في أبدالها بألقابهم الكوردية الصريحة؟! فأحدهم لا زال مصراً وبدهاء على حمل اسم الكناني، وقد أعترف لدى جُلساءه في أكثر من مناسبة، بأنه ملكشاهي!! وآخر هو شخص مُعمَّمْ يحمل لَقَبّْ الربيعي، في وقت يوجب عليه الزيّْ الديني، الذي يرتديه أن يكون صادقاً في حمل اسمه ولقبه الحقيقي، وعدم التّنكُّرْ له، وأمثال هؤلاء للأسف كثيرون، ناهيك عن وجود أناس بدأوا عملهم في هذه الأحزاب بالزيّ الديني، وانتهوا أخيراً إلى الزيّ المدني بعد أن لمسوا بأيديهم، وتحت ضغط السخرية واستنكار العامة لسلوكياتهم، عدم قناعة الجمهور بهم وهم يرتدون زيّاً يحتم عليهم الالتزام وضبط النفس. فأن كان هؤلاء غير قانعين بأصولهم ككورد فيلييّْن، بدليل امتناعهم عن الرجوع لألقابهم الكوردية الصريحة، بعد زوال شبح النظام الصدامي البائد منذُ ثمان سنوات، هذا إن تذرعوا بمحاربة النظام المقبور لهذه الألقاب. فكيف لهم أن يقنعوا العامة والبسطاء في إتباع أحزابهم، والاقتداء بقادتها، بقبول كونهم فَيليّْون، وهم أنفسهم يعرضون عن فعل ذلك. ولطالما أدّعوا وياللسخرية من أن هنالك عَرّبٌ فَيليّْون، كي يغطوا بهذا الكذب المفضوح، على سلوكهم المستهجن وموقفهم الهَشْ بادعاء ما أنزل الله به من سلطان، وهم يعلمون تَماماً بأن أكثر العربّ مودةّ، والتصاقاً بالكورد الفّيليّْين لا يحمل أي درجة مهما ضعفت من القناعة، كي يحتسب نفسه في عداد الفّيليّْين. فهذا الصنف العائم على مطاف المكونات التي يتركَّبْ منها الشعب العراقي، يُريد ان يكون كوردياً فَيلياً دون متاعب، وحسب حاجة الظروف والتقلبات السياسية التي تطرأ على الأوضاع في البلد، فهو عربي إن أردته، ولكن دون أي إخلاص حقيقي لعروبة يتخذها ستراً، وغطاءاً لإدامة وجوده بين مكونات الشعب والمجتمع في العراق. طالما رأى غربته عن مجتمع وضعته الأقدار بين صفوف أبناءه. لأن التسليم بإيرانيته، اكتسبت من البداهة والعفوية للأسف القدر الأكبر من قناعته الشخصية، وإن بَيَّنَ أحد ما السمات والخصائص الكثيرة التي يتحلى بها كعراقي، لأكد العكس طالما رأى أنه شيعي، وإن سالت أحدهم إن كنت سُنياً هل كنت تعتبر نفسك إيراني، لأجاب كلا بالطبع!! كأن علي بن أبي طالب (ع) الذي يَتَشيُّع له قد ولد في إيران؟!
فقياديّْون، ومؤسسون، وشخصيات معروفة هذه هي نظرتها لمذهبها الشيعي، فكيف بالخصوم والأعداء من بعثييّن، وقومييّن متطرفين، وإرهابيّون يُناصبون شيعة أهل البيت، أن يكونوا هم كذلك خالين من هذه النظرة لكل شيعي، إذا كانوا هم أنفسهم يقفون على قدم المساواة مع الأعداء والخصوم في التدليل على انتمائهم لإيران استنادا إلى تَشيُّعهم، إن التذرع بكون النسبة الغالبة من الكورد الفّيليّْينن يقيمون في إيران مردود بالقول: "إن تفوق نسبة الكورد ككل، وليس الفّيليّيون لوحدهم في إيران، مقارنة بوضعهم في العراق، يتساوى مع الفّيليّْين في ذلك ليس الكورد السورانيّون مقارنةً بنظرائهم في كوردستان إيران، بل حتى التركمان الذين يتفوق عددهم في إيران على عددهم في العراق بأضعاف المرات! إلى درجة برز بين تركمان إيران أناسٍ وصلوا إلى أعلى المراتب في الدولة هناك، كعلي خاتمي، ورفسنجاني .. وغير هؤلاء كثيرون جداً؟!
بل يتعدى وجود المكونات الأخرى التي يتوزع عليها الشعب العراقي مثل الصابئة، الكلدو-آشورييّن، وكذلك الأرمن في امتداد جغرافيتها العضوية أو القومية إلى داخل إيران. وهذا أمر معروف لدى القاصي والداني بل أن نسبة العرب الشيعة أنفسهم في الأحواز محافظة خوزستان، وكذلك خارجها، تكاد أن تتساوى مع نسبة العرب الشيعة في العراق دون مبالغة!! فلم كُلُّ هذا التجني على هوية الكورد الفّيليّْين، وأنتم من وضعتم أنفسكم في مقام الوصاية والقيمومة على هذه الشريحة للدفاع عن عراقيتهم، التي أنتم أولَ من ينكرها عليهم، ما هي مصلحة الكورد الفّيليّْينن في تحويلهم إلى إيرانييّن ليس داخل إيران نفسها، بل في داخل العراق بالذات، لأن الوضع المأساوي للكورد الفّيليّْينن داخل إيران متمثلاً بعدم إقرار السلطات الإيرانية برعويتهم أو مرجعيتهم إلى إيران أمر غني عن
التعريف. هذا دون التفكير في ماهية الضرائب النفسية والمعنوية، والخسائر الفادحة التي سيتكبدها هذا المكون المغلوب على أمره، عندما تتوتر العلاقة مع إيران، وتلوح في الأفق بوادر النزاع والمجابهة، ما هي الضمانات التي يمكن أن يقدمها لنا أي طرف سياسي، سواء داخل العراق أم خارجه إن كانت من دول المنطقة القريبة أو القوى الدولية خارج المنطقة، ولندع جانباً تطورات الملف النووي لإيران، الذي تتخذه الولايات المتحدة مبرراً كافياً لإعلان الحرب على إيران! الذي سيكون العراق إحدى ساحته، إن وقع مثل هذا الصدام بين الجانبين.
تعالوا أيها الأخوة، فانظروا إلى ما ينذر به الوضع في الداخل من مخاطر وتهديدات، ولا تستهينوا كعادتكم بهذه التهديدات، الجديّة، لأن عدم اكتراثكم بهذه التهديدات والمخاطر، هي التي أوردتنا المهالك، منها دعوة البعثييّن إلى المشاركة في العملية السياسية، حتى وإن كانت هذه الدعوة مبررة بكونها موجّهة إلى الذين لم تتلطخ أيديهم بجرائم النظام المقبور، وعلى فرض أن دعوة هؤلاء البعثييّن، ومن ثُمَّ مشاركتهم في العملية السياسية ستكون من جانب غير الصدّاميين، كما يُشاع، أو من لم تتلطخ أيدهم بجرائم النظام المقبور استنادا إلى التبريرات التي تتذرع بها الحكومة الحالية وهي شيعية كما هو ظاهر. فليقُلّ لي بربّه من ينظر إلى خطورة هذه الدعوة على أنها أمر عفوي ما الذي أودى بمصائرنا إلى الضياع والاغتراب والتَشتُّتْ ومصادرة أموالنا وبيوتنا، وموت الأحباء والأعزاء في سجون النظام المقبور ومعتقلاته، وغيرها من العذابات والمرارات التي تجرعناها. أليست هي المناهج والنظريات القومية المتطرفة، والسياسة التي كانت ولا يزال يتبناها حزب البعث ومؤسسية الأوائل، وقياديّه الحاليّون كذلك، في دواخل نفوسهم المريضة الحاقدة على وجودنا، تلك العقلية التي كانت المسبب في دمارنا وخراب بيوتنا، وما آلت إليه أوضاعنا الغنية عن التذكير بها، وإعادة سرد تفاصيلها بكل مأساتها وتبعاتها النفسية والإنسانية. بل إن السماح بعودة عشرين الف ضابط من البعثييّن إلى الجيش العراقي عند إعادة تشكيله من جديد، فتفكروا يا أولوا الألباب، فما أكثر العبر وما أقل الاعتبار. إن الكثيرين بين المنتمين لهذه الأحزاب، التي تتبنى الدفاع عن حقوق الكورد الفّيليّْينن، ودون تعميم كلامنا على المخلصين والمتفانين في النهوض بمستلزمات هذه المسؤولية، التي هي محل تقديرنا واعتزازنا، بل نَخُصُّ أولئك الذين يعلنون عن إيرانيتهم على الملأ، جهاراً نهاراً وعلى روؤس الأشهاد؛ إنما هم عَجَمٌ مستكردون، أو يتظاهرون بأنهم أكراد، كل ما في الأمر، أنهم إيرانيّون باختلاف طفيف، وما يختلفون به عن باقي الأيرانييّن، أنهم تَعوَّدوا العيش داخل العراق ليس إلا. بدليل أنهم يدافعون "بِحُجّة دفاعهم، عن عراقية الكورد الفّيليّْينن" عن مصلحة وجودهم في العراق، الذي تَعوَّدوا العيش فيه. لا الدفاع عن يقينٍ افتقدوه بالانتماء إلى هذا البلد إنهم إيرانيّون بالوكالة والنيابة عن إيران في هذا البَلَدْ، ولشدة تأثرهم بهذه النغمة، ما سألوا أنفسهم يوماَ، لم لا يطيقون العيش في إيران، ويحبذون العيش في بلد يندر أن يكون في وفاق مع دولةٍ، يرون أنها وطنهم الأم! إلا بقُدرةِ قادر. ذلك بأنهم لم يتكيفوا، ولم يتأقلموا مع بيئة هي بيئتهم الفعلية، ومع محيط ومجتمع هو محيطهم، ومجال تواجدهم الفعلي والحقيقي. بسبب فهمهم القاصر للتّشيُّع، وإساءة فهم ولاية سيد الوصييّن وأمير المؤمنين الإمام علي () كأنه والعياذ بالله كان إيرانياً فَتَصوَّروا. إنَّ هؤلاء ومن سلك مسلكهم من العوام والبُسطاء، أصبحوا ضحية لهذه الهوية الإيرانية بالنيابة!! فمقولة "أحنة إيرانييّن وأني إيراني" هي التي أودت بمصائرهم إلى العَدَمْ قبل أن يتعرضوا لحقد وعدوانية النظام البائد. وهي التي جعلتهم غرباء داخل إيران نفسها التي لم تعترف بإيرانيتهم على الإطلاق، وهي التي جعلتهم بالتالي غرباء، ضعفاء في كُلِّ أرضِ وطأتها أقدامهم في البلدان الأوربية، التي أندمج في مجتمعاتها أبناءُهم وبناتهم.
ففقدوا هؤلاء الأبناء، فلا يستطيع أبٌ أو أُم من مُحاسبةِ أبنه، أو أبنته في أبسط وأتفه الأمور، إلا وكانت السلطة، والقانون، والمجتمع هناك لا يحاسبهم فقط، بل يَزجّ بهم في المعتقلات والسجون، ويُتيح للأبناء أن يرفعوا الشكاوى على ذويهم، وأولياء أمورهم وحدث ولا حرجّ. وأصبح من المعتاد أن نسمع بأن كذا أب أو أُم، قد أصيبوا لذلك الواقع غير المألوف بالجلطة في القلب أو الدماغ، أو ارتفاع ضغط الدم، وفي حالات أُخرى الكآبة، وفقدان الوزن بدرجات كبيرة جداً. فأصبحوا مجرد صدىً لإنسان فقد شعوره بالحياة وأصبحت السعادة المنشودة التي ضنوا أنهم ملاقوها هناك، لعنةً وثمناً باهضاً للغربة، بل جحيماً لا يطاق، مع بعض الاستثناءات والامتيازات، ولكن على حساب البال وراحة الأعصاب.
إن شعار أحزابنا الفيلية، هي الدعوة إلى الوحدة فيما بينها، ولكن كيف لها، وهي تابعة لحركات وقوى سياسية أكبر على الساحة، أن تحقق هذا الهدف والشعار في آنٍ واحد. ولنقل أنه هدف ليس بعيد المنال. نحن نفهم سهولة أن تتَّحد مجموعة من الأحزاب الإسلامية، طالما كان يجمعها فكر ديني محافظ، وإمكانية أن تتحدْ مجموعة من الأحزاب اللبرالية والعلمانية، طالما كان يجمعها فكر تقدمي يؤمن بحرية الآخر، واحترام خصوصيته، وإمكانية أن تتحد مجموعة من الأحزاب القومية، لتحقيق هدف قومي مشترك. كما أنه من السهل أن ننجح في تجميع ممثلي الأحزاب من قادة مؤسسين، وحتى رؤساء كُتل في داخل قاعة الاجتماع، أو بهو المؤتمر، أو صالة الاحتفال. أما أن يتحد حزب يتخذ أمينه العام من محمد باقر الصدر أباً روحياً له، مع آخر يتخذ أمينه العام، أو مؤسِّسه من (لينين، أو ماركس، أو موتسي تونگ) أباً روحياً فهذا هو الهراء بعينه، وسذاجة وخيال تدل على افتقاد ليس التجربة الناضجة، بل وكذلك مقومات النهوض بالعمل الحزبي، بما يمكنها (أي هذه الأحزاب) من أي إنجاز عملي مهما كان ضئيلاً، كي يحقق لدى المؤسسين القناعة بوجودهم كحزب سياسي قادر على أن يلبي، ولو بالكاد الشيء اليسير من مطالب الكورد الفَيليّين. بل كيف لأحزاب، ومنظمات، وحركات شبه سياسية، أن تتحد فيما بينها، وهي أصلاً أحزاب فرعية تابعة كما بيّنا لأحزاب سياسية عراقية أكبر منها تتحكم بإرادتها وقتما تشاء، وتصادر قراراتها وقتما تشاء، وتُسيطر على تخصيصات هذه الأحزاب الفرعية مالياً فتقطعها وقتما تشاء عندما تراها عاجزة تماماً على أن تحقق خططها السياسية التي تَصُبّ في مصلحة هذه القوى السياسية الرئيسية. كما أنه من الميسور أن نضمن توافد وحضور ليس المئات، بل الآلاف في ملعب الشعب أيضا حسب أقوال الشيخ محمد سعيد النعماني، ولكن ما الذي له أن يتغير خارج الاجتماع، وصالة المؤتمر، وخارج الجلسات والندوات من وضع الكورد الفَيليّين القانوني؟! ومن السهل أيضا والميسور أن يصل البعض من أبناء المكوّن الكوردي الفيلي إلى بعض المناصب المرموقة، وحتى الحصول على بعض الحقائب الوزارية، وكذلك الوصول إلى كرسي البرلمان والجمعية الوطنية، ولكن قرارات هؤلاء المؤهلين تبقى مصادرة من قبل القوى السياسية التي أوصلتهم إلى هذه المراكز إن مشكلة الكوردي الفيلي في العراق، لن تحل بحصوله على وثيقة شهادة الجنسية العراقية فقط، في وقت لا ينم سلوك وميول أكثرية مؤسسي الأحزاب الفيلية عن ميل حقيقي للانتماء إلى هذا البلد، وهم يطالبون الدولة ومؤسساتها ذات العلاقة إلى إنصاف الكوردي الفيلي، والإقرار بولائه وانتمائه لتربة العراق، واذن فالمشكلة ليست في الحصول على شهادة الجنسية العراقية من عدمها، أننا نرى بسبب ما أشرنا إليه من سوء الفهم الحاصل في تفسير تشيعنا، على أنه دليل على إيرانيتنا لدى الكثير من قادة هذه الأحزاب ورؤسائها، فأنه وبمجرد وصول سلطة مناهضة ومعادية للكوردالفَيليّين ما سيدفعها إلى أن تتنكر للصلاحية القانونية لهذه الوثيقة المهمة، وبجرة قلم من قبل من سيتربع على عرش السلطة، من الطغاة الذين لا يخلو منهم أي عصر. إن مشكلتنا إذن هي مع العقلية السياسية ليس لدى قادة، وأعضاء الأحزاب التي تشارك في إدارة الدولة، التي تنظر إلينا للأسف كإيرانيين قديمي الوجود في العراق، وبالتالي ضرورة إخراجنا من العراق إذا ما تأزمت الأوضاع مع إيران، وهذه حقيقة النظرة المؤلمة لوضعية وجودنا في هذا البلد، والتي تكرسها للأسف يوماً بعد يوم التوجهات اللامسؤولة لبعض قياديي الأحزاب الفيلية اكثر فأكثر، بل نجد ان هذه النظرة السلبية قد تكرست لدى قطاع واسع من عامة الناس والمجتمع في العراق. ناهيك عما تراكم بفعل السياسات التي اختطتها الأنظمة المتعاقبة، في نفوس الناس ونظرتهم الينا. وهذا امر لا يمكن تغييره بين ليلة وضحاها، الا بادخال بند واضح وصريح في دستور العراق الدائم، أو المؤقت يقر وبشكل رسمي بعراقية الكورد الفيليين. ولأجل تحقيق هذه الغاية إي إقناع السلطة على إدخال هذا البند او سن هذه الفقرة، لا بد من امتلاك زمام القوة والتأثير، وعوامل الضغط اللازم على مراكز القرار التي تؤيد إدخال هذه الفقرة. فاين لنا من توافر العوامل والمؤثرات، وأسباب الضغط والإقناع؟ وأحزابنا، وحركاتنا، وقوانا السياسية مقوده ومسيرة من قوى وأحزاب سياسية اكبر منا على الساحة.
فأحزابنا تجيد ببراعة لافته للنظر، إقامة الحوارات والندوات، وعقد المؤتمرات، وإجراء الاجتماعات، ونشطاءنا اذا ما يحضرون مؤتمراً لا يحسنون سوى استعراض الحاشية المخفية من الحمايات المدججون بالأسلحة، والسيارات الفارهة أو المصفحة، وإظهار البذخ، والكلمة الامرة الناهية في الوزارات والمؤسسات الخطيرة. وبعد هذا كله هل يستطيع نشطاءنا السياسيون، وهم يعملون بالنيابة عن قوى سياسية سواء في الداخل او الخارج ان يلبوا مطالبنا، وكيف ان يبقى لهدف توحيد الأحزاب الفيلية معنى ونحن نرى تقديم القادة والأمناء مكاسبهم وامتيازاتهم، واستعراض سطوتهم على مصلحة ومطالب شريحتهم، أحزابنا الفيلية المسيرة لا المخيرة لا تملك الأجوبة على ثلاث أسئلة مصيرية، وهي أسئلة قابلة للطرح والمداولة في اية ساعة، وفي كل ساعة وهو ماذا سيكون مصير الكورد الفيلبين، اذا ما اندلعت الحرب مع إيران في اية لحظة، هل ستعيد مظالم النظام البائد سيرتها القديمة؟ وإذا ما قال أحد كلا، فنسأل بدورنا ما هي الضمانات، ومن هي الجهة التي يمكن لنا أن نثق بتعهداتها في عدم وقوع ما جرى علينا في الثمانينات من القرن المنصرم مرة أخرى، أيام الحرب العراقية الايرانية حتى دفعنا دوناً عن غيرنا من العراقيين فاتورة الحرب بين البلدين. وهل ان نطمئن للوعود التي سيقطعها هذا الطرف الرسمي او ذاك من أصحاب القرار والنفوذ في الدولة والسلطة، ونكتفي بذلك ونترك مصيرنا إلى ما ستؤول إليه الظروف والتطورات دون احتياطات، وإجراءات احترازية دفعاً للحيف والظلم اذا ما وقع اي سوء او مكروه، ما الذي يمنع قيام مثل هذا النزاع مع إيران، وتطورات الملف النووي والموقف الذي تتخذه جميع الدول العربية سواء الخليجية، أو حتى البعيدة عن المنطقة، لا يدل على وجود علاقات طبيعية بينها، وبين إيران، ناهيك عن القوميين العرب بما فيهم البعثيون، الذين يحلمون بالعودة إلى السلطة مدعومين من دول معروفة متاخمة في حدودها للعراق؟! والسؤال الثاني: ماذا سيكون، وضع الكورد الفيلبين في حالة قيام حرب أهلية بين الحكومة الاتحادية، في بغداد او حكومية أقليم كوردستان، وما هي التدابير والإجراءات التي للأحزاب الفيلية ان تتخذها، كي لا يكون الفيليون كبش الفداء، الذي سيدفع ثمن العداء الذي سينشأ بين شعبي العراق الكبيرين، حكومة اقليم كوردستان تعتبر مناطق خانقين، مندلي، بدره زرباطية، والمناطق الكوردية الأخرى في محافظات ديالى و واسط مناطق متنازع عليها، وتريد من سكان هذه المناطق الأصلية العودة السريعة لمناطقهم، مع تعذر هذه العودة لضعف البنية التحتية، وضعف العامل الاقتصادي من توافر فرص العمل، كي تستوعب، أو تستقطب العوائل الفقيرة وما أكثرها. مع تناسي، وإغفال حكومة أقليم كوردستان لانعدام حتى الماء، وليس فرص العمل فقط إلى جانب تواجد وإقامة ثلثي سكان هذه المناطق الكوردية في بغداد العاصمة، وباقي مراكز وأقضيه المحافظات التي تقع مناطق الكورد الفيليين ضمن رقعتها الإدارية. فضلا عن الشكوك المتولدة سلفاً من نية حكومة الإقليم في دوافعها، بإدخال مناطق الكورد الفليين ضمن خريطتها الإقليمية. نعود فنسأل كيف ستتعامل الأحزاب الفيلية مع هذا الظرف، أي قيام حرب أهلية بين الشمال والجنوب في العراق، ما هو موقفها من عبارة، او تسمية المناطق المتنازع عليها، وكيف لها ان تصل ان كان معترفاً بها سلفاً، أنها تمثل الكورد الفيليين بالفعل، فكيف لها ان تصل مع حكومة الإقليم الكوردي إلى صيغة وسط ترضي جميع الإطراف بما فيها الحكومة المركزية، في حالة نشوء خلاف أو توتر السلم بين حكومة الإقليم، والسلطة في بغداد؟!
السؤال الثالث:- إدخال عبارة (كوردي فيلي) في بيانات التعداد العام للسكان، على ما تنطوي عليه من محاذير ليس لأنها ستعزلنا عن القومية الكوردية، ولنضع هذا الأمر او الاعتبارات جانباً، بل قيام نزاع مسلح مع إيران مع وجود حكومة، وان كانت شيعية تحمل فكراً قومياً متطرفاً، هل نحن مستعدون او مضطرون إلى أعطاء مثل هذه الحكومات التي لا يضمن احد ما ظهورها في المستقبل أسماء العوائل والأسر، والإفراد، وعناوينهم وغيرها من المعلومات عن طريق هذه البيانات كي تلتقطنا بيتاً بيتاً، وعائلة عائلة، وفرداً فرداً كي ترحلنا إلى إيران، ان لم تقم بالانكى والأدهى من ذلك كله، وهو حجزنا في معسكرات، ومخيمات للاعتقال الجماعي، الذي لن يعلم سوى الله تعالى ماهية أوضاع أبناءنا وذوينا من حصولهم على الطعام والشراب الكافي من عدم توافر ذلك، والتجهيزات اللازمة بالحماية من الإمراض والاوبئه، وتبدلات الجو من حرارة وبرودة، والمشاكل النفسية والاجتماعية التي ستظر من معيشتهم في مثل هذه التجمعات من يقول أن مثل هذا الإجراء القسري، لن تتخذه الحكومات اللاحقة بحقنا، ما هي الجهة الموثوقة التي تتكفل عدم حدوث ذلك، فالتاريخ يعيد نفسه. إننا نفهم، ان يكون الكوردي الفيلي خارج العراق مطمئنا حتى يدرج عبارة (كوردي فيلي) في الأوراق الرسمية الخاصة بالتعداد، إذا ما كان مقيماً خارج العراق كما مر بنا سلفاً خاصة في دول المهجر الأوربي: كالسويد والدنمارك، والنروج، وألمانيا، وبلجيكا، وهولندة... وغيرها من بلدان القارة الأوربية، لان المحاذير المخاوف التي له ان يتوقعها بعيدة أو مستحيلة الوقوع طالما كانت قوانين ودساتير تلك الدول تضمن بالكمال والتمام كل حقوقه الإنسانية المشروعة. ولكن وضعنا في العراق وتلك هي مأساتنا وما إدراك ما العراق بين مد وجزر، فيوم لك ويوم عليك اي بعبارة وأوضح والأكثر صراحة وضعنا في العراق لا يوحي بالطمأنينة، استنادا لما أوضحنا من عوامل ومسببات.
أن هذه الأسئلة المصيرية الملحة، لم تهيئ لها أحزابنا الفيلية، ليس فقط الأجوبة، بل حتى التدابير السياسية والاحتياطات التنظيمية من وسائل دفاعية كفيلة بدرء الأذى عن أسرنا وعوائلنا. بل أن هنالك من لا يعرف بالضبط جغرافيتنا، ولا إلى أي اللهجات الكوردية تنتمي لهجتنا، ولا أحوال جماعاتنا في المحافظات الأخرى، لأنه باختصار كان خارج العراق، ولم يرجع إليه، إلا متأخراً جداً، بعد ان تغيرات الأوضاع من النقيض إلى النقيض، كل ما في الأمر انه قدم إلى العراق كي يؤسس حزباً لا يستطيع كمؤسس ان يعطي اي تعريف مقنع لاصطلاح الفيلي، دون تعميم هذا القول على الجميع وإذن فأحزابنا لا تملك البرامج، وكيف لها ان تضع الخطط وهي مسيره تعمل بالوكالة عن قوى سياسية لا ترى في الكوردالفيليين سوى ورقة أنتخابية أيام الحملات الدعائية للمرشحين الفيليين الذين يعملون لصالح هذا الحزب او ذاك، والمفارقه أنها تنادي بالدفاع عن حقوق الكورد الفليين ومطالبهم. أن ابسط دليل على شره مؤسسي الأحزاب، والمنظمات، والحركات، والقوى السياسية بما يحيط بهم من بطانة، او حاشية ليست بأفضل حالا من زعيم القوم الباحثين عن المطامع والمكاسب، ودون تعميم غير أن الحق لا بدان يقال، أنه ما ان تشارف المؤتمرات، واحتفالات الذكرى السنوية، لكذا حدث او مناسبة، بل قبل تلاوة التوصيات، والمقررات النهائية للبيان الخاتمي حتى ترى هؤلاء القيادين رغم ظاهرهم الموحي بالانفه والكبرياء، والاكتفاء المادي، والغني الروحي، يسارعون متهالكين على موائد الطعام، في مطعم الفندق الذي يستضيف جلسات المؤتمر الذي يحضرونه كي يثبتوا وجودهم بالجسم والهيكل فقط في حالة من التسابق على الحصول على أطباق الأكل، أقل ما يقال عنها انها جرى الوحش الضواري على الفريسة قبل ان تفلت من اليدين. فمن لا يتمالك نفسه، ويعجز عن صدها وضبطها في نيل أتفه الأمور، وإدناها قيمةً، فكيف لهؤلاء ان يضبطوا انفسهم أمام المغانم الكبيرة التي تنهال من القوى السياسية الكبيرة التي يدورون في فلكها. وكيف لمن لا يستطيع ضبط نفسه امام المغنم اليسير كالطعام والشراب على هامش هذه الاحتفالات ان يضبط الجماهير الفقيرة، والحشود الكثيرة من أبناء قومهم، متمثلة بهذه الشريحة من مكونات الشعب العراقي. فهؤلاء إذن حضروا العزاء على روح القضية والمطالب العادلة، لا كي يعزوا الكورد الفيليين بمصائبهم، في ضياع ومصادرة الأموال وفقد الأحبة، وسني عذاباتهم في الشتات والغربة. بل كي ينالوا نصيبهم من الطيب والدسم، والألطاف والإنعام، من أسماء وألقاب في مجلس الأمناء، ومجلس الإدارة في المركز الثقافي والاجتماعي للكورد الفيليين الذي لم يرى النور بعد وياليته يراه. أحزاب، ومنظمات، وحركات، وتجمعات واسأمي، وعناوين انعم بأصحابها من غياري ومخلصين يبحثون عن جنازة يشبعون فيها لطماً وعويلا ونحيباً بعد أن ملأوا البطون، كي يقرأوا الفاتحة في النهاية على مصرع قضيتنا ومطالبنا الضائعة.