توطئة:
الكرد الفيليّون مكوّن أساسي وأصيل من مكونات الشعب العراقي، وأحد أهم
شرائح المجتمع في العراق. جاء ذكرهم في المصادر العربية، لأول مرة في التاريخ
الغياثي، للمؤرخ العراقي (عبد الله بن فتح الله البغدادي)، المتوفى سنة
891هـ-1486م، أثناء تعرض المنطقة لغزوات الفاتح المغولي الشهير (تيمورلنك) عام
805هـ-1402م راجع: التاريخ الغياثي، الصفحة 195، المؤرخ عبد الله بن فتح الله
البغدادي (كما تقدم)، صادر عن مطبعة أسعد بغداد عام 1975، تحقيق الأستاذ طارق نافع
الحمداني. كما إننا نرى بأن المحامي عباس العزاوي، قد احتل موقع الصدارة في
تاريخ العراق الحديث كأول شخص يتصدى لمهمة التعريف بهذه الشريحة أو الفئة المهمة
في كتابه –الفيلية- مُعرِّفاً بعشائرهم وشيوخهم، ومناطق تواجدهم في فترة مبكرة
جداً من القرن الماضي، إذ أنّ كتاب الفيلية، قد ظهر في عام 1931م. وقد تسنّى
للأستاذ حسين أحمد الجاف الأديب والمثقف الكردي المعروف، من إعادة نشر هذا الكتاب
المهم، بطرحٍ وأسلوب جديد في حدود العام 2003م، عن طريق المجمع العلمي العراقي
بعنوان آخر هو "تاريخ الفيلية" ولتكوين فكرة أشمل عن تاريخ هذا المكوّن،
والتعرّف عن كثب على واقعهم وشجونهم، نحيل القارئ الكريم إلى مراجعة كتابنا
(الكُرد الفيليّون، الأمس والغد. ملخص تاريخ الكرد الفيليّين في العراق) والذي صدر
في بغداد عام 2012م. عدا المصادر التي تناولت موضوع هذه الشريحة، والذي سيطّلع
عليها القارئ أثناء متابعته لمباحث هذه الدراسة، التي يراها في متناول يديه. فعسى
أن تكون محاولتنا في هذا العمل، إسهاماً لابأس به، للتعريف بهموم وقضايا، وظلامة
هذا الطيف الاجتماعي العريق، وما تعرضوا إليه من الاقصاء والتهميش خلال الأربعين
سنة الأخيرة المنصرمة، من تاريخ العراق ما بين عام 1963م، وعام 2003م، بل ما وقع
عليهم من حيفٍ وظلم، على أيدي الأنظمة المتعاقبة خلال الثلاث والثمانين عاماً
المنقضية، من تاريخ بلدنا، منذ تأسيس المملكة العراقية عام 1921، فلاحقاً من عقود
وأعوام، مرت على هؤلاء العراقيين من أبناء هذا المكون المشمولين بالبحث في هذه الدراسة
الموجزة القصيرة.
التعريف([1])
بالكورد الفيليّين
-
تطلق تسمية الفيلية، من قبل العَرَب في
العراق، على كافة الأكراد الذين يقيمون، في المناطق الحارة والسهلية، من القطر منذ
القدم، على أن لايكونوا قد جاءوا في الأصل من منطقة سوران، أو كوردستان العراق!!
-
كما تطلق تسمية الفيلية، من قبل الكورد
في كوردستان والعراق الشمالي على العموم، على جميع الأكراد الذين يعيشون في وسط،
وجنوب العراق، على أن لايكونوا من الوجهة الدينية أو المذهبية، من أهل السُّنة
والجماعة.
-
كما تطلق "أي تسمية الفيلية"
لدى الباحثين والمهتمين من أبناء هذه الشريحة على الخصوص، على كورد المناطق
الحدودية المحاذية لإيران، في ثلاث محافظات عراقية، وهي:
(.) ديالى "لواء بعقوبة سابقاً"
جهات خانقين، ومندلي، وقزروات/السعدية، جلولاء، شهربان/المقدادية، النفط خانة، قرة
تبة، كنعان (مهروت، مهروز)، بلدروز، بهرز، دلتاوه (الخالص)، حوالي قزانية قريتا
(درو، دوشيخ)، ترساق، وحتى داخل المحافظة، وهي بعقوبة إن لم يكن لأكراد هذا المكون
تواجد ملحوظ في كل نواحي وقرى هذه الوحدة الإدارية.
(.) محافظة واسط
"لواء الكوت سابقاً". وأشهر الجهات التي يقيم فيها الكورد الفيليّون: بدرة،
زرباطية، ناحية الجَبَل أو "كاني سَخت"، هنجيرة، بكساية (بكسيّة) أو
الشهابي، ومناطق أخرى كناحية شيخ سعد، والحيّ، والنعمانية (حيث الوفرة، والكثافة الفيلية)
عدا العزيزية وحتى داخل الكوت مركز المحافظة.
(.) محافظة ميسان
"لواء العمارة سابقاً" جهات: العلي الغربي، والعلي الشرجي، وكميت،
والشيخ فارس، وأبو غراب. وحتى داخل مركز المحافظة، وهي مدينة العمارة.
(.) عدا وجود جيوب أو
جزرات فيلية قديمة تواجدت في جهات محافظة النجف، كالشامية والكوفة، وقلعة سكر في
الناصرية، ومركز محافظة كربلاء، ومركز محافظة بابل مدينة الحلة.
(.) إلى جانب وجود
وفرة وكثافة فيلية، تقطن العاصمة بغداد، جهات الرصافة متمثلة بـ(محلات عقد
الأكراد، باب الشيخ، فضوة عرب، الصدرية، سراج الدين، أبو دَودَو، أبو سيفين، أبو
شبل، قمبر علي، حمام المالح، عباس أفندي، الشيخ عمر) بل منطقة الرصافة القديمة
مابين البابين الشرقي، والمعظم. عدا مدينة الصدر، حي الأكراد ابتداءاً من قطاع
(13) وانتهاءاً بالقطاع (24) بل في جميع جهات هذه الضاحية البغدادية العريقة،
ناهيك عن مدينة الكاظمية، ومدينة الحرية، والكرادة، وشارع فلسطين، والشواكة،
والعطيفية. بل في كل حيّ من أحياء العاصمة، قبل أن يطرأ على الوضع الديموغرافي (التوزيع
السكاني) لمدينة بغداد، ظاهرة العنف الطائفي، والقتل على الهوية، والتهجير
المناطقي إلى غير ذلك من ظواهر آنية طارئة سيمجها العراقيون، ويلفظها المجتمع
ليكون مآلها إلى الزوال عاجلاً أم آجلاً.
-
وقد أشارت وثائق الاستخبارات لدى النظام
المنحل بشأن الإحصاءات، التي تعلقت بعدد نفوس الفيليّين حسب المحافظات، إلى أن
الموصل كانت أوفرها من الفيليّين، وهو ما أكده كل من الدكتور خليل([2])
إسماعيل محمد في (الكورد الفيليّون بين حملات التهجير، وسياسات التعريب) الصفحات
8، 9 وكذلك الدكتور محمد تقي([3])
جون في قصة الكورد الفيليّين الصفحة (93).
كما يفيد (الجغرافي)
الدكتور فؤاد حمه خورشيد([4])
، حول سكنى الـ(لك)؛ (احدى اشهر القبائل الفيلية) في كوردستان، جهات اربيل وما
حولها قائلاً : ((جگە لەوانەش، لە دەشتی هەولێر 12 گوند هەیە، و
بەدیالێکتی لەک دەئاخەفن،ئەمانن :-
1-حەسارۆک،
2- دەشیوان، 3- جدیدە لەک ، 4- قشقە، 5- ئەزبانە ، 6-گۆگ جەلی، 7- حوشترالوک ، 8-
ئاودەلوک، 9- منارە ، 10- خوڕەخوڕە ، 11-بەردەسبی، 12- دەرماناو (وەرگێڕ) .
أي ما ترجمته (( عدا
اولئك (ويقصد بهم الـ(لك) العشيرة الكوردية المعروفة) ، هناك في ضواحي اربيل
الخارجية ، اثني عشرة قرية ، تتكلم بلهجة
الـ(لك)وهي على التوالي :1. حساروك ، 2- دشيوان ، 3- جديدة لك، 4- قشقة ، 5-
ازبانة ، 6- كوكجلي 7- حوشترلوك ، 8- اودلوك، 9- منارة، 10- خورخورة ، 11- بردسبي
،12- درمانوك . المترجم )) انتهى .
يقول المؤرخ القدير
عبدالرقيب يوسف([5]):
ان عشائر (الكشك ، وباجلان، ودنبلي ، كلهر ، ولك ، وردت في دفتر طابو الموصل
لسنة1539م)) انتهى
فلاخظ ان الوجود
الكوردي الفيلي ، قد اطبق على جهات العراق الاربعة، كما ان هذا الوجود الفيلي
الكثيف، استناداً الى المصادر المارة الذكر يؤكد على قدم وعمق تاريخ الفيليين في
العراق ، قبل ظهور امارة الفيلية، في ايران بمدة طويلة ، اذا ان تاسيس الامارة
الفيلية بالاستناد الى علي سيدو الگوراني([6])
، يعود الى عام 1585م، في حين ان وجودهم في العراق، حسب اقدم المصادر
العثمانية نفسها، يعود لعام 1539م على ما بينا وهذا ما يفند ادعاءات المصادر
العراقية، بارجاع الوجود الكوردي الفيلي
في العراق، الى القرن السابع عشر فقط .
الفيلية أو الفيليّون
أصل التسمية:
قبل الخوض الأكاديمي،
والغوص التاريخي واللغوي في أصل واشتقاق مُسمّى الـ(الفيلي)، ينبغي أن نشير إلى أن
أول مصدر عربي ذكر الفيليّين باسمهم الحالي حسب المصادر المتاحة هو التاريخ([7])
الغياثي للمؤرخ عبد الله بن فتح الله البغدادي المتوفى سنة 891هـ/1486م، أثناء
تعرض المنطقة لغزوات، الفاتح المغولي الشهير (تيمورلنك)، في حدود العام 1402م،
805هـ.
ورغم أن المستشرقين([8])،
والرحّالة الأوربيّين، من مثل هوكو كروتة، وجورج كاميرون، ووالتر هينتس، قد أشاروا
إلى أن أصل الاسم، آتٍ من ملكٍ عيلاميٍّ حكم في حدود العام 2670ق.م في مدينة أوان
العيلامية باسم (پيلي- Peli) مُعقباً وراءهُ سلالة حاكمة، اشتملت على
إثنا عشر ملكاً، انتهاءاً بالملك (بوزور إنشوشيشناك([9]))
إلا أن وجود هذا الاسم أو هذا الاصطلاح أي مُسمّى الـ(فيلي) في لغة السومريّين حسب
أقوال خبير الآثار لدى الأمم المتحدة (شاه محمد الصيواني) والذي كان خبيراً
للآثار، كذلك في متحف بابل الأثري حتى عام 1980م([10])،
وهو من أصل كوردي فيلي، وبالاستناد إلى أقوال (مهرداد آزادي([11]))
أستاذ قسم دراسة لغات وحضارات الشرق الأدنى، في جامعة هارفرد الأمريكية، والأستاذ
برهان الشاوي([12])،
الأمين العام للحزب الكوردي الفيلي العراقي، والمدير السابق لقناة الحرية
الفضائية، والمدير السابق لهيئة الإعلام والاتصالات كذلك، والتي تأتي بمعنى
(باسل، شجاع) وهو معنى هذه الكلمة حسب الدراسات الحديثة والتواريخ، والقواميس([13])
المعاصرة، مايوحي ويُدلل على عمق وجود هذه الشريحة العريقة والاصيلة في العراق
القديم، ومن أن أسلاف الكورد الفيليّين كان لهم وجودا عريضاً واسعاً بين حضارتين عراقيتين
كبيرتين، تمثلتا بالحضارة العيلامية، والحضارة السومرية هذا إن لم تكن الحضارتين
المذكورتين ذات (امتداد وجذر) عضويٍّ واحد!! وفي ذلك يقول الأستاذ رياض جاسم([14])
فيلي:- "نقلاً عن الدكتور عز الدين مصطفى رسول، رئيس إتحاد أُدباء الكورد،
الذي كان صديقاً ملازماً للمرحوم "أي الدكتور شاه محمد الصيواني" طيب
الله ثراه.. أن شاه محمد الصيواني قد كُلِّف بالتنقيب في منطقة أثرية، بالقرب
من جبال حمرين مع الأستاذين طه باقر، ورشيد صفر، ومن خلال الحفريات اكتشفوا وجود
حلقة وصل مهمة، ومفصلية تربط بين حضارتي سومر، وعيلام. مما حدا بالطاغية المقبور
خلال فترة السبعينيات من القرن الماضي، والمعروف حينها (بالسيّد النائب) أن يأمر
بإعلان المنطقة المكتشفة، حضارة سامية كجزء من ماكنة الدعاية الفاشية الموجهة من
قبل النظام البائد. ولكن هؤلاء العلماء الأفاضل رفضوا ذلك بشدة، ولم ينصاعوا
لمشيئة السلطان الجائر، ولم ينفذوا مبتغاه المريض... حفاظاً منهم على حقيقة
التاريخ بكل أمانة وإخلاص" إنتهى.
ونرى من ذلك أن
الحضارة العيلامية حضارة عراقية، بلى حضارة عراقية لأنها اتخذت من إقليم الأحواز
العربي، وهو امتداد عضوي، وتاريخي للعراق وحضارته موقعاً، ومركزاً لبزوغها، ومن ثم
نضوجها وازدهارها بعد ذلك. حتى أننا نرى الباحث العراقي عبد الحميد العلوجي، في
عمله التاريخي القيّم عن إقليم الأحواز- الموسوم (مئتي([15])
حقيقة عن عربستان) يقول:-
![]() |
احدى زقورات مدينة الشوش عاصمة العيلاميين |
"إن النزاع
المسلح الذي حدَث بين عيلام وإور، أو بين بابل وعيلام، أو بين نينوى وبابل، أو بين
عيلام ونينوى إنما كانت له بواعث وطنية هادفة، غايتها تحقيق وحدة الشعب الواحد، في
الأرض الواحدة" إنتهى.
كما يستطرد المؤرخ
عبد الحميد العلوجي نفسه في (مئتي حقيقة عن عربستان، وبالاستناد إلى الآثاري الأمريكي
وولي ديورانت([16])،
والمستشرق سيتون لويد قائلاً: "والظاهرة الغريبة المألوفة في حروب الآشوريين
ضد العيلاميّين، كانت تتمثل، دائماً بوجود جيش كلداني بين الجيوش
العيلامية؟!!" إنتهى.
وعن صلة العيلاميين
بالسومريين، ينقل الباحث العراقي القدير قاسم محمد غريب عن لسان العلماء
والاثاريين ومنهم العالم (هيند كوك) ([17]) قائلاً:- " ان
السومريين جاءوا من المنطقة العيلامية، حيث كان السومريون والعيلاميون يتكلمون بلغة غريبة غير سامية،
وكلاهما ورث عن اجداد العيلاميين ثقافة واحدة مشتركة! وكلاهما استعمل الكتابة
المسمارية" .
![]() |
منظر لاحدى القلاع العيلامية |
كما ينقل الينا بصدد
ذلك ، عن لسان العالم (المستشرق فرانك فورت) قائلاً:- يقول فرانكفورت([18]) ان السومريين من
بلاد عيلام ، أي ان السومريين والعيلاميين كلاهما سكان المستنقعات أي الاهوار ،
ويستدل على ان الخزف الذي صنعه السكان القدماء ، في جنوب ما بين النهرين انهم
جاءوا به من فارس. وقد احتفظوا بالبداية ، بالرسوم الهندسية ، الشديدة التشابك
التي كانوا يستعملونها في بلادهم الاصلية " انتهى
ولابدّ أن ننوه إلى
ما قاله مؤرخ([19])
عراقي آخر بشأن صلة العيلاميّين بالكورد الفيليّين، متجلياً في إسم الأحواز، الاسم
الأقدم لإقليم عربستان، حيث يفيد الأستاذ علي نعمة الحلو:- "قال سيف الله
رشيديان، "هوز كلمة لرستانية بمعنى الطائفة، وهي تستعمل لدى أهالي لُرستان
حتى اليوم، ولعل (هوس- house) في الإنكليزية، وكلمة (حوش) في العربية
محرفة عن كلمة (هوز) كما أن كلمة خوز محرفة عنها. ويفهم من كلام (داريوش) أحد
الملوك الأخمينيّين، أن خوزستان (أي بلاد الأحواز) مشهورة بهذا الاسم منذ أكثر من
ألفي سنة" إنتهى.
ومن المعروف تاريخياً،
أن من بقي من العيلاميّين، جماعة تسمت بالأخواز، أو الخوز. كما أثبت ذلك العالم
الأمريكي([20])
جورج كاميرون، حيث اعتبر لغة الأخواز لهجة محلية رسخت في كور الأحواز بعد انسلاخها
عن العيلامية (اللغة الأُم). ويؤكد علي نعمة الحلو، المؤرخ والباحث العراقي
المعروف:- "تبيّن([21])
لنا بأنه لايوجد بين الخوز، والعرب، والفرس أي تشابه أو تقارب، أو أي صفات مشتركة.
ومنها خرجنا برأي نعتقد بصحته، هو أن هؤلاء الخوز من أصل عيلامي، وهم سكان الإقليم
القدماء" إنتهى.
كما يشير طه([22])
باقر المؤرخ العراقي القدير إلى مايؤيد أقوال الباحث علي نعمة الحلو بهذا الصدد
حيث يقول في كتابه الخالد مقدمة في تاريخ الحضارات "العيلاميون شعب
كالسومريّين من سكان المنطقة القدماء لايمتون بصلة إلى الأقوام الهندوأوربية، أو
فرعها الفارسي".
ويعود الباحث علي
نعمة الحلو، بعد ذلك إلى القول:- "الخوزية([23]):
لغة الشوشتريين (نسبةً إلى شوشتر شمال إقليم الأحواز)، والدسبوليّين (نسبةً إلى
دزبول شمال إقليم الأحواز أيضاً)، ولغة اللر" إنتهى.
كما يقول علي نعمة
الحلو(22) في نفس المصدر:- ((اللغة الخوزية قديمة في الاقليم (يقصد
أقليم الاحواز) قبل العربية بكثير يتكلم بها أهالي شوشتر، ودسبول، ولرستان))
انتهى.
وكما هو معروف لدى كل
ضليع مطلع
ذي بصيرة، بأن اللُّر أو اللُّرستانيّين جزء أصيل ومهم من العشائر الفيلية، بل إن
سلطات الانتداب والاحتلال البريطاني، ما لبثت تسمي الكورد الفيليّين باللر أو
القبائل اللريّة كما سيلي ذكره لاحقاً.
ونرى أنه من الضروري
الإلمام بحقيقة لايعلمها الكثيرون، بأن تسمية الأحواز، قد أتت من اسم العيلاميّين
الأصلي وهو هيت([24])،
هات وهو ما كانوا يسمون به أنفسهم!! أما عيلام فقد وردت إلينا من لفظ الأكديّين،
لاسم هذا الشعب لأن عيلام في الأكدية تعني البلاد العالية([25])،
نسبةً إلى المرتفعات التي أقام فيها الهيتيّين، أو الهيزيّين([26])،
والتي كانت تُحاذي (أي هذه المرتفعات) بلاد أكد. وقد تطور لفظ هيت-هات إلى هيز-هاز([27])،
والتي تعني في الفيلية نفسها حسب رأيي، وهذا اجتهاد شخصي، القوة، الاقتدار ( أي ان
كلمة او تسمية خوزي ، تعني القوي او المقتدر!! ) وقد لفظت بعدة أشكال نحو، -هوز([28])،
خوز، حوز. وجمعت بشكل أهواز، أحواز، أخواز. الاسم الحالي لإقليم عربستان، أو
خوزستان حيث أن خوزستان تتكون من مقطعين هما خوز نسبة إلى الاسم القديم للألوار أو
الفيليّين، وإستان أي بلاد، ومجمل المعنى بلاد الخوز. أما عربستان فهي تعني
بالفارسية بلاد العرب لمشاركة العرب الأحوازيين، الكورد الالوار او الفيليين في
استيطان هذا الإقليم، منذ اقدم ازمنة التاريخ. كما أن المصادر العربية والإسلامية
قد أشارت، إلى أن إقليم لرستان وهي ما كانت تُسمّى به أراضي الفيليّين، في القرون
الوسطى([29])
كان، إقليماً يتبع في شؤونه الإدارية، بلاد الأحواز ثم فصِل عنه، وأُلحق ببلاد
الجبل (بلاد فهلة، بلاد فهلَوي) لاتصالها به، وذلك في عهد الخليفة هارون الرشيد،
الذي تولى الخلافة بين 170هـ/786م([30])-193هـ/809م.
ومن هذه المصادر على سبيل الذكر، لا على سبيل الحصر (تقويم البلدان)([31])،
للملك المؤيد عماد الدين إسماعيل بن علي الملقب بأبي الفداء المتوفى سنة
732هـ/1332م. (وصبح([32])
الأعشا في صناعة الإنشا) لأبي عباس أحمد بن علي الملقب بـ(القلقشندي) المتوفى سنة
821هـ/1418م.
وهناك الاجتهاد
الثاني، وهو في نظرنا الأصوب، وهو يربط اسم الفيليّين (بالفهليّين) بالاستناد إلى
أقوال البروفيسورة پاكيزة رفيق حلمي([33])،
والمؤرخ زبير بلال إسماعيل([34])،
والدكتور جمال رشيد أحمد،([35])
والأستاذ بلج شيركوه،([36])
والباحث عصمت شريف وانلي،([37])
بسكان الجبل، وهي مرتفعات بشتكو التي كانت تسمى قديماً (بلاد فهلة) الذين
كانت تمتد مواطنهم إلى الضفاف الشرقية لنهر دجلة، رغم عدم استبعادنا ارتباطهم
بالعيلاميّين بالكثير من أواصر الروابط المشتركة وتعود صلة الفهليين، أو
الفهلويّين إلى الاشكانيّين والذين برز من بينهم (38 ملكاً) حكموا([38])
مدة خمسة قرون تقريباً وهي دولة قديمة سبقت الفرس الساسانيّين في حكم العراق وإدارته
ابتدأت بالملك أشكان، أو ارشاك([39])
والذي حكم في حدود العام 250 ق.م وانتهاءاً بالملك أردوان أو أرتبان الخامس، والتي
إنتهت بمقتله دولة الاشكانيّين على يد الملك الساساني أردشير بابكان مؤسس الدولة
الساسانية، في حدود عام 226م أو عام 227م حسب اختلاف المصادر.
ومن أبرز ما قامت به
هذه الدولة، أن بنت عاصمتها المركزية في العراق متمثلة بطيسفون المدائن، قبل أن
يتخذها الفرس الساسانيون مقراً لحكمهم في العراق، على خطى ما فعل سابقوهم في
الدولة الاشكانية وهذا ما تثبته جملة من المصادر العراقية، والعربية، والأجنبية من
مثل تاريخ العمارة العراقية لشريف([40])
يوسف، وإيران في عهد الساسانيين لآرثر كريستنسن([41])،
وملامح من التاريخ القديم، الدكتور أحمد([42])
سوسة، والصراع العراقي الفارسي([43])
عن مجموعة من المؤرخين، والأساتذة التدريسيين في الجامعات العراقية، ونحوها من
مصادر، ولانبغي حصرها أكثر مما فعلنا في المصادر الآنفة الذكر دفعاً للإطالة.
فالمصادر التي تربط
اسم الفيليّين، بلفظ فهليّين، وفهلويّين تقول أن اسم الفيليّين قد ارتبط في
اشتقاقه باسم الفهليّين نسبةً إلى بلاد فهلة([44])،
متمثلة حالياً في عصرنا هذا بمرتفعات بشتكو التي أسماها العرب المسلمون عدا هذه
التسمية بتسمية أخرى مرادفة وهو (بلاد الجبل) أو (إقليم الجبال) غير أن
المصادر العراقية في العصر الحديث أكّدت دون لبسٍ، أو أدنى شكّ صحة هذا القول ومن
هذه المصادر على سبيل المثال، تاريخ الفيلية للمحامي عباس العزاوي، الذي كتب هذه
الرسالة، أو هذا البحث في بغداد عام 1931م([45])،
وقد جاء في الصفحة (174) من ذلك المصدر ما هو نصه:-
"إن الناس عندنا
في العراق العربي، يسمون اللور الصغرى بـ(الجبل) والقوم بالفيلية؟! ولاينطقون بلفظ
(اللور) الصغرى المعروفة عند الفرس بـ(لوري كوجك)" إنتهى.
ولنعرج على ما قاله
الجغرافيّون، والاخباريّون العرب حول بلاد الجبل، في القرون الوسطى، حيث يقول
المؤرخ محمد بن جرير الطبري، المتوفى سنة 310هـ في تاريخ الرسُل([46])
والملوك:- "ملَك بعد الاسكندر مُلك دارا، أُناس من غير ملوك الفرس، غير أنهم
كانوا يخضعون لكل من يملك (بلاد الجبل) ويمنحونه الطاعة، وهم الملوك الاشغانيّون،
الذين يُدعون ملوك الطوائف." إنتهى
لاحظ هاتين
العبارتين:-
-
الأولى:- "مَلَكَ بعد الاسكندر مُلك
دارا، أناس من غير ملوك الفرس"، حيث تنتفي صلة هؤلاء بالملوك الفرس.
-
الثانية:- "غير أنهم كانوا يخضعون
لكل من يملك (بلاد الجبل) ويمنحونه الطاعة، وهم الملوك الاشغانيون"
والاشغانيون كما هو معروف في عصرنا هذا، هم أنفسهم الملوك الاشكانيون.
كما قال علي بن
الحسين بن علي أبي الحسن، الملقب بالمسعودي المتوفى سنة 346هـ في كتابه مروج الذهب([47])
ومعادن الجوهر "وقد تنازع الناس في ملوك الطوائف، أمِن الفرس كانوا أم
النبيط، أم من العرب؟ فحكى جماعة من الأخباريّين ممن عُني بأخبار الماضين، أنه لما
قَتلَ الاسكندر دارا بن دارا تغلب كل رئيس ناحية على ناحيته، وكاتبهم الاسكندر.
فمنهم فرس، ونبيط، وعرب. وكان مراد الاسكندر من ذلك تشتيت كلمتهم، وتخريبهم وغلبة
كل رئيس ناحية على الصقع الذي هو به، فينعدم نظام المُلك، والانقياد إلى ملكٍ
واحد، يجمع كلمتهم ليرجع إليه الأمر إلا أن أكثرهم، كانوا ينقادون إلى الاشغانيين،
وهم ملوك الجبال... وكان كل ملك منهم يتولى هذا الصقع (أي الإقليم) يُسمّى بالاسم
الأعم أشغان (أشكان) فقيل لسائر ملوك الطوائف الأشغانيون، إضافة إلى مُلك هذا
الصقع لانقيادهم إليه." إنتهى.
لاحظ هذه الإشارة:-
"إلا أن أكثرهم،
كانوا ينقادون إلى الاشغانيّين، وهم ملوك الجبال. فكان المراد بملوك الجبال، هؤلاء
الحكّام المسمّون بالاشكانيّين أو الاشغانيّين على لسان، العرب قديماً، وذلك نسبةً
إلى أشكان الملك الأول الذي أسّس هذه السلالة المالكة.
-
أما المصادر الحديثة التي تصف الاشكانيين
بالجبليّين فهو كتاب القوميات العراقية، للكاتب([48])
جرجيس جبرائيل هومي حيث يطلق عليهم:- "البرثيّون الجبليون التابعون إلى الشعب
الاشكاني".
-
ويورد الأستاذ برهان الشاوي، في عمله
الشيّق الكورد الفيليّون، محاولة في معرفة أصلهم وفصلهم قائلاً:- "كما([49])
يؤكد الباحث عبد الرحمن مزوري، بأن الفردوسي يستخدم لفظ (پهلو) بمعنى الجبَل
أيضاً، ولاشتهار سكان الجبال بالإقدام، والشجاعة فقد أخذت هذه الكلمة، تعطي معنى
الشجاع، ولربّما من هنا أُشتق لفظ الـ(پهلوان) في اللغات الكوردية، والفارسية،
والأوردية. والغريب أن لفظ (پيلي) يعني في السومرية الشجاع، والباسل أيضاً"
إنتهى.
كورديّْة الاشكانييّْن أجداد الكورد الفيليّْين، تؤكدها
المصادر!!
-
وزيادةً عما
ذكرنا من إشارات، ومعلومات فكوردية بلاد الجبل إقليم الجبال، الذي كان له اسمٌ
مرادف وهو (فهله، ﭙهلو أو ﭙهله، فهلو) أصل
تسمية فهلي المنسوب الى بلاد فهله. والتي تَطوَّر عنها لفظ فيلي نقصد بذلك كلمة
فهلي القديمة. فان كوردية بلاد الجبل، إقليم الجبال أراضي الفيليّْين في القرون
الوسطى، قد أثبتتها مصادر مُختلفة بين قديمٍ، وحديث نحو:-
-
(*) كتاب
البلدان للعلامة، والجغرافي أحمد بن واضح، الملقب باليعقوبي، المتوفي سنة 292هـ /
745م حيث يصف بلاد الجبل بـ (دار الاكراد).
-
راجع الصفحة
(6) من كتاب البلدان، لليعقوبي، الصادر في النجف الاشرف عام 1957م.
-
يجدر في هذا
البحث ان نتطرق الى ما قاله محمد علي عوني ، معلقا في الهامش (1) من الصفحتان 319،
320 من ملخص تاريخ الكورد وكوردستان، للمؤرخ محمد امين زكي في طبعة القاهرة (المعربة
عام 1939) اذ نقرأ :-
(( وجاء في الجزء الثاني من ص384، من(احسن التقاسيم) للمقدسي في
اقليم الجبال : وقرأت في بعض الكتب أن الري، واصفهان ليستا من بلاد البهلويين.
وانما هي همدان ومهرجانقذق وهي السيمرة، وماه البصرة وهي نهاوند، وماه الكوفة وهي
الدينور . وورد في بن الفقيه تحت عنوان ( القول في الجبل) ويسمى هذا الصقع (بلاد
البهلويين) فهذه نصوص قاطعة ، تدل على الكورد ، هم الپهلويون والميديون ببلادهم ولغتهم ، وسائر مميزاتهم القومية والجنسية )) انتهى
-
يفيد الباحث :
جرجيس جبرائيل هومي عند تناوله تاريخ الشعب الكوردي:- ((ولم يكتفوا بهذا، بل ما ان
شكلوا دولة ميديافي اجمل بقاع ايران الشمالي الغربي، والعراقي الشرقي اي منطقة
الجمال والفتنة، بجبالها واوديتها، غاباتها ومروجها، ينابيعها وشلالاتها، انهارها
وبحيراتها. الا وسموها ببلاد (البهلوانية) اي بلاد الابطال !!)) انتهى .
-
راجع القوميات
العراقية ، جرجيس جبرائيل هومي، ص146، بغداد، 1959.
-
(*) كما أفاد
الأستاذ جرجيس فتح الله، بهذا الخصوص:- "ويذكُر الاصطخري ت في 339هـ/ 951 م
قائلاً: اللوربلد خصيب الغالب عليه الجبال، وكان من خوزستان، إلا أنه أُفرِد في
أعمال الجبل (أي كوردستان) لأتصالها به". انتهى راجع الهامش (4) من الصفحة
(20) من كتاب الفيليون للمحامي نجم سلمان مهدي طبعة استوكهولم/ السويد 2001م.
-
(*) كما ان
المصادر الحديثة لاسيما الأوربية منها، تثبت إنطباق معنى بلاد الجَبَلْ إقليم الجبال على ما نسميه اليوم كوردستان من
مثل كتاب الكورد للمستشرق باسيلي نيكيتين، حيث يقول:- "وعندما نقارن بين
العديد من المصادر الشرقية، نتوصل الى إستنتاج وهو أن كوردستان فارس (فارس أي
ايران حالياً) وبضمنها كوردستان (يقصد بذلك باقي أجزاء كوردستان، وإمتداداتها في
تركيا، والعراق، وسوريا، وأرمينيا، والأذربيجان) كانت تُشكّْل حتى القرن الثالث
عَشَرْ جزء من الأقليم، الذي كان العرب يطلقون عليه إسم الجبل" إنتهى.
-
راجع: الكورد
تأليف باسيلي نيكيتين، الصفحة (2) عن دار أخيل أثينا/ اليونان، ترجمة نوري
الطالباني "بدون تاريخ".
-
(*) كما أنَّ
المصادر الحديثة تُبيّْن أَنّ أول من أطلق لفظ كوردستان على بلاد الجبل، إقليم
الجبال (بلاد فّهلَوي ، بلاد فَهله قديماً) هو الأديب التركي محمد بن حسين بن محمد
الكشغري، والمتوفي سنة 466هـ/ 703م في كتابه: "ديوان لغات الترك" والذي
وضعه في بغداد حدود القرن الخامس الهجري، الثامن الميلادي.
-
راجع: الصفحة
(35) من العدد الثالث، من مجلة الدليل، النسخة الاولى عدد جمادي الأول- جمادي
الثانية سنة 425هـ، 15 آب 2004م، موضوع الابجدية الكورديه، بقلم الاستاذ زين احمد
عبد الله النقشبندي.
-
إلا أنني
أُرجّْح بأن اليعقوبي، من الأقدمين ، والذي أْطِلقَ على أراضي بلاد الجبل عبارة أو
تسمية (دار الاكراد) هو أول من أشار الى كوردية بلاد الجبل ، أقليم الجبال.
-
راجع كتاب
البلدان، الصفحة (6)، صادر في النجف الاشرف عام 1957م.
-
ولاشك أن المراد بالجبل هنا، مرتفعات
پشتكو موطن الكورد الفيليّين وأسلافهم من العيلاميّين، والكاشيّين، والاشكانيين.
وتتوضح هذه الحقيقة عبر ما قاله الأستاذان محمد هادي الدفتر، وعبد الله حسن، من
خلال ما أورداه، في تفسير معنى (مندلي) في مدونهم القيّم (العراق([50])
الشمالي) حيث يفيدان بما هو نصه:- "قالوا عنها (والمقصود هنا بلدة مندلي)
بلدة مشهورة في طرف النهروان، من ناحية الجبل من أعمال بغداد، ويريدون بالجبل
(پشتكوه)." إنتهى
نبذة عن حضارة
الاشكانيّين في العراق:
اشتهر الملوك
الاشكانيون، بتأسيس المدن الكثيرة في العراق، بل إن ما يمكن عزوه إليهم، عدد لابأس
به منها نحو:- طيسفون([51])،
والحضر، وكذلك إولغاشية في بلاد بابل (قرب الكوفة حالياً). وامتازت تلك المدن
بخصائص عامة في تخطيطها، فكانت مدورة الأشكال تقريباً، وهذا النوع من خطط المدن،
كان معروفاً في الشرق الأدنى، وبوجه خاص في العراق القديم، فإن الوركاء وإور كانتا
مثلاً مدينتين شبه مدورتين، كما بنى الآشوريّون معسكراتهم بهيئة دائرية، وكانت
المدن في العهد الاشكاني في الواقع معسكرات للجند في أصلها ووظيفتها، فمثلاً بُنيت
طيسفون لتكون معسكراً مقابل سلوقية (في الضفة الغربية من دجلة) واتسعت في العهد
الساساني حتى أضحت حاضرة كبيرة، وكانت مدينة الحضر كذلك ثغراً أو حصناً بالقرب من
الحدود مابين الامبراطوريتين الاشكانية، والرومانية، وكثيراً ما استعملت قاعدة
للدفاع عن العراق إزاء الجيوش الرومانية، الآتية من سورية، وإلى جانب هذه المدن
التي أسسها الفرثيّون أنفسهم فإن الملوك الأشكانيّين قد عمروا، وجدّدوا بناء عدد
من المدن القديمة لتكون مقاراً لحكمهم وجيوشهم، ففي العراق مثلاً جُددت العاصمة الآشورية
القديمة آشور (قلعة الشرقاط).
وقد أظهرت التنقيبات
التي أجراها الآثاريون الألمان عام 1904 وعام 1914م بقايا قصور معظمة، بحيث
يصح أن مدينة جديدة قد أنشئت عند موقع العاصمة القديمة. ووجد المنقبون في أمهات
المدن القديمة في العراق مبانٍ وقصوراً كبيرة من العهد الفرثي مثل كيش، والوركاء،
ونفر، وبابل كما تكثر بقايا المستوطنات الاشكانية أو الفرثية في العراق التي يدل
على عهدها هذا، الملتقطات السطحية المميزة، وقد أجرى قسم الآثار في كلية الآداب
عام (1971-1976) تحريات مهمة في موقع (تل أسود) وهو مستوطن أشكاني بالقرب من مدينة
البياع، واشتهرت المدن الأشكانية بان واجهات قصورها، كانت تُزيّن بالنحوتات
البارزة، وخير مثال على ذلك مدينة الحضر، ومما يقال عن العهد الاشكاني أنه ورث العناصر
القديمة، التي دخلت في العهد السلوقي المتأثرة بالفن اليوناني، نسبةً إلى سلوقس
أحد قادة الاسكندر الكبار الذي ورث عن الاسكندر المقدوني ممتلكاته الشرقية، في
شمال الهند، وبلاد إيران، وأرمينيا، والعراق، وسورية".
سكان
شمال عيلام (الكاشيون) 1595 ق.م- 1157ق.م، وحضارتهم في العراق.
الكاشيون([52])
قوم من أقوام (زاگروس)، بل إنه كسائر شعوب زاكروس من السكان الأصليين، وليسوا
كالساميّين، والحاميّين مهاجرين. وقد أخذوا يتجهون نحو شرقي (بابل) الضفاف الشرقية
من نهر دجلة وطفقوا يشتغلون بالفلاحة والزراعة، وكان الأكديون يطلقون عليهم اسم
(كاشو) وهم الذين عرفوا في الكتاب المقدّس باسم (كوش). وقد تمكنوا في أواسط القرن
الثامن عشر قبل الميلاد، من أن يحكموا بلاد (بابل). وأسّسوا في بلاد سومر وأكد، حكومة
قوية عاشت زهاء الستة قرون، في تلك البلاد التي لم تعش فيها قط حكومة من الحكومات
مثل هذه المدة من الزمن، وقد كوّنوا سلالة مالكة ابتدأت بالملك (كانديش) وانتهت
بالملك (إنليل نادن آهي)، وقد حكم في هذه السلالة نحو ست وثلاثين ملكاً. حسب ثبت
(قائمة) الملوك، الذي خلفه المستشرق، والآثاري الالماني(ليو أوبنهايم)([53]).
وقد بنى الكاشيّون عدداً من المدن في العراق، لعل أهمها وأشهرها على الإطلاق مدينة
عقرقوف (القريبة من ناحية أبو غريب الحالية، غربي العاصمة بغداد) والتي بناها
الملك الكاشي- (كوريكالزو الثاني) الذي حكم بين 1345 ق.م- 324 ق.م عدا مدينة
(خانة، أو خانات)([54])
مدينة (عانة) في محافظة الأنبار، وبيت كشو، التي عُرفت في العصور الإسلامية باسم
(بكساية)([55])
قرب ناحية الشهابي في محافظة واسط، والتي لازال الأهالي يطلقون عليها، أي على
الشهابي نفسها تسمية (بكسيّة) وهو لفظ قريب من اسم بكسايا في العصور الإسلامية..
وقد أغار الملك (سنحاريب الآشوري) في أوائل القرن السابع قبل الميلاد، على بلاد
هؤلاء الكاشيين فقاتلوه قتالاً شديداً، وكانت العشائر الكاشية، تقبض من
الأخمينيّين أتاوة([56])
سنوية، نظير مرور جيوشهم عبر أراضي هذه العشائر، (راجع الهامش 56)، وقد حاربهم
الاسكندر الكبير محاربة شديدة، ولاشك أن هذا الشعب كان موجوداً في لورستان، إلى
أوائل القرون الميلادية.
![]() |
زقورة (عكركوف) احدى اشهر اثار (دور كوريگالزو) عاصمة الكاشيين |
يقول المؤرخ محمد
أمين زكي:- "والخلاصة أن هذا الشعب بهذا الاسم فقط، قد كان موجوداً حتى
الميلاد وما بعده أيضاً، في بلاد لرستان، ثم ضاع هذا الاسم تدريجياً، وحل محله إسم
(العشائر اللورية). وفي الواقع أنه لايوجد([57])
بين لفظ (كاساي، كاشو، كوشي) ولفظ (لر) أي مشابهة لفظية، بل إن لفظ (لر، لور)
حسبما يذهب الأستاذ (سبايزر) قريبة من لفظ (لوللو) وعلى هذا الأساس، ليس ببعيد أن
لفظ (لر، لور) كان يطلق في بادئ الأمر، على فرع من الشعب الكاسي ثم صار علماً على
جميع الشعب المذكور" إنتهى.
بعد كل هذه الإشارات على
قدم الوجود الكوردي الفيلي في العراق، لابدّ أن نُعلم الجميع من إخوتنا باقي أبناء
العراق، بأن البديهية المسلمة لدى أبناء هذا الطيف، هو أن أراضي العراق الشرقية، إبتداءاً
من الحدود السياسية مع إيران، وحتى نهاية أطراف هذه المنطقة المطلة على الضفاف
الشرقية لنهر دجلة، هي موطن الكورد الفيليّين التاريخي، وقد أقر بهذه الحقيقة
الغائبة، عن أذهان الكثيرين، ابن العراق البار، الزعيم عبد الكريم قاسم، عند لقائه
بوفدٍ من الكورد الفيليّين، ذهبوا لتهنتئه بنجاح ثورة الرابع عشر من تموز عام
1958م، حيث يذكر الأستاذ عبد الجليل فيلي حول هذه المناسبة([58]):-
"وكان الزعيم
عبد الكريم قاسم، وبحضور المرحوم وصفي طاهر، قد اعترف لوفد من الكورد الفيليّين،
ذهبوا لتهنئته بانتصار ثورة الرابع عشر من تموز، في 14/10/1958م، وضمن كلمة وجهها
لأعضاء الوفد، أكّد بأن المناطق التي تبدأ من الضفاف الشرقية لنهر دجلة هي مواطن
الكورد الفيليّين منذ أقدم العصور" إنتهى.
وتعقيباً على ماورد في
هذه الإشارة، من حقائق مطموسة للأسف نود القول:- إن الذي يجعلنا أن نعتقد جازمين بعراقية
هذه الشريحة العريقة، وإنتماءها الأكيد إلى العراق جملة ظواهر، ومعطيات نذكرها أو
نجملها في عدد من الفقرات:-
أولاً- إن الكثيرين
من أبناء عشائر (اللّر) كواحدة من أشهر الفروع العشائرية التي تتكون منها الشريحة
الفيلية والتي يُعمّم إسمها خطأً، بل كخطأ شائع على سائر أبناء العشائر الفيلية
من باب تعريف الكلّ، وهم الفيليّة بالجزء، وهم اللّر (وقد صحّحنا هذا الخطأ في
كتابنا (الكورد الفيليّون الأمس والغدّ، ملخص تاريخ الكورد الفيليّين في العراق، الصفحات
54، 55 طبعة 2012 بغداد) إن لم يحتسبوا أنفسهم من الكورد "أي اللوريّين
خاصةً ألوار إيران" فهم غير معدودين ضمن صفوف الفرس!! بل ضمن قومية([59])
ثالثة، تسمّى القومية اللوريّة؟!! فمن أين لهم أن يكونوا إيرانيين بعد ذلك. وصفه الإيراني
تنطبق بالدرجة الاولى والأساس على الفرس، دون سائر الأقوام "بل أكثر من باقي
الأقوام، والأمم في إيران" ونعيد على الفرس بالدرجة الأولى كما قلنا، كوجهة
نظر شخصية بحتة.
ثانياً- تابعية
أكثرية المشيخات العشائرية التي ظهرت في إقليم لرستان "المحاذية لمناطق الكورد
الفيليّين في الجهات الشرقية من العراق" إلى الأمراء البابانيّين، التابعين
لوالي بغداد في العصر العثماني، باعتراف المصادر والمؤلفات التي ظهرت زمن النظام
البائد، المنحل كإمارات أو مشيخات:- زهاو(سربيل زهاب)، درنة، كرند، قصر شيرين،
سومار، مهران.
حيث نقرأ في ص167 من
الحدود الشرقية للوطن العربي (عن مجموعة من الأساتذة، والمؤرخين "في جامعات
العراق، وفروعها" الصادر في بغداد عام 1981م.
وكذلك الصفحة 266، من
الصراع العراقي الفارسي الصادر في بغداد عام 1983م، عن نفس المجموعة من مؤلفي
الحدود الشرقية للوطن العربي، وهم الدكتور نزار عبد اللطيف الحديثي، والدكتور علاء
كاظم نورس، والدكتور مهدي جواد حبيب، والدكتور عماد عبد السلام رؤوف، والدكتور
ياسين عبد الكريم، والدكتور صالح العابد، والدكتور مصطفى عبد القادر النجار:-
بشأن زهاب في المصادر
أعلاه ما هو نصّه:-
"وكان يتولى حكم
زهاب أمراء من الأسرة البابانية العراقية، ويخضعون بصفة مباشرة لوالي بغداد"
إنتهى.
كما نقرأ بشأن (درنة)
والتي تقع في الجانب الإيراني:- ((وأصبحت درنة سنجقاً (لواء) من سناجق أيالة
الموصل، ويعرف بسنجق باجلان(باجوان) وتولى حكم السنجقين المدمجين (درنة، وباجلان)
متصرفون من أسرة بابان الشهيرة يعينهم والي بغداد، ويعملون بأوامره وحده)) انتهى كما نقرأ بشأن اقتطاع قصر شيرين من العراق التي
بحوزة إيران اليوم في ص170 من الحدود الشرقية للوطن العربي، وص268 من الصراع
العراقي الفارسي ماهو نصّه:-
"ولم يُقرّ هذا
السّلبّ إلا في بروتوكول الحدود الموقع من الطرفين سنة 1913م" إنتهى.
-
وبالنسبة لضم (سومار) إلى إيران نقرأ في
الصفحة (33) من مندلي عبر العصور للحاج عمران موسى البياتي ماهو نصه:-
"بل حتى عام
1905م، حيث جرى تحديد الحدود في هذه السنة بين إيران والعثمانيين، وأُعطيت (سومار)
إلى إيران مقابل هورين، وشيخان، قرة تو أُعطيتا إلى العراق" إنتهى.
-
وعن (مهران) نقرأ في الصفحة 171 من
الحدود الشرقية للوطن العربي، والصفحة 275 من الصراع العراقي الفارسي مايلي:-
"إلا أن عملية التوسّع الإيراني، لم
تتوقّف عنده، بل تجاوزته في المرحلة التالية مقتطعة من الأرض العراقية أجزاء واسعة
غنية وضمها إلى ما عُرف باستان عيلام في إيران. ولم تُقر نتائج هذا التوسّع إلا في
بروتوكول الاستانة عام 1913م. رغم السجلات، والوثائق، والشهادات العديدة التي
قدّمها الجانب العثماني، والتي تثبت بما لايقبل الشكّ، إن تلك الأرض كلها ليست إلا
جزءاً من أرض العراق نفسها، ومن أهم المدن التي تقع في هذه الأرض أو المنطقة
(مدينة مهران) الواقعة مقابل مدينة زرباطية، وبدرة في الجانب العراقي" إنتهى.
-
كما ان عهد الاحتلال العثماني للعراق ما
بين 1534م-1918م شهد ظهور دويلتين فيليتين هما: الدولة النخودية بزعامة صباح ذو
الفقار بين 930هـ/1524م-946هـ/1530م في وسط العراق (بغداد وما حولها)([60])
والدولة الديرية في البصرة، بزعامة افراسياب الديري بين 1005هـ/1596مـ
1078هـ/1667م([61])
ويعلق أستاذنا الفاضل،
الدكتور محمد تقي جون على ظاهرة، ضم الكثير من الأراضي الفيلية، التي كانت تابعة
في السابق إلى العراق، بمنحها إلى إيران في رائعته المشوقة (قصة الكورد الفيليّين)
بالقول([62]):-
"وبسبب المساومات بين الدولتين الإيرانية (الصفوية، فالقاجارية، فالپهلوية)
والدولة العثمانية التي تصرفت برقاب العراقيّين: تقلصت پشتكو بالتدريج، حتى صارت
إيرانية، وخسرت كل شبر عراقي بعد ترسيم الحدود الكافر، فاقتصرت على إيلام
فقط" إنتهى.
ثالثاً-
مشاركة الكورد الفيليّين، في المدن الحدودية في الثورة العراقية الكبرى (ثورة العشرين) ضد الإنكليز، ومما لاشك فيه أن
الأغلبية العظمى من الثوار العراقيّين كانت إلى جانب العثمانيّين، بينما الدولة
الإيرانية (أيام الحكم الشاهنشاهي) كانت إلى جانب الإنكليز، وباقي دول الحلفاء في
ذلك الوقت، فترة الحرب العالمية الأولى عام 1914م والأعوام اللاحقة، فهذا ما يثبت
أن ميول الكورد الفيليّين في تلك الفترة المبكرة أي قبل تأسيس الدولة العراقية
الحديثة عام 1921، ميول وطنية نابعة من كونهم ضمن نسيج المجتمع العراقي، بحيث
إندكوا في ثنايا هذا النسيج إندكاكاً مصيرياً محضاً. نقرأ في الصفحات 165، 166 من
صفحات في([63])
تاريخ الشعب الكوردي للمؤرخ، الدكتور كمال مظهر أحمد: ((له کوردستان ئاگری شۆڕش لهپێش
ههموو شوێنێکدا له ناوچه کوردیهکانی باقووبهدا تهشهنهی سهند. ڕۆژی ١٤ى
ئابی (١٩٢٠ز). کوردهکان توانییان قزرابات ئازاد بکهن، ئهمه دانیشتووانی خانهقینیش
به جارێک بزوواند، پێشمهرگهکانی ئهم ناوچه به هێرشێکی سهرکهووتوویان کرده
سهر کۆمپانیای نهوتی بهریتانی- ئێرانی. له ناوچهی نهفتخانه، لهلایهکی
تریشهوه توانییان خهتی شهمهندهفهری نێوان خانهقین، بهغدا- کنگرهبان- کهرکوک
تێک بدهن، بهو جۆره پێوندی نێوان هێزهکانی ئینگلیز له کوردستان و ناوهڕاست،
و خوارووی عیراقدا بپچڕن، و سهر لهم هێزانهش تێک بدهن که ئینگلیز له ئێرانهوه
ئاڕاستهی گیانی شۆڕشگێرانییان دهکردن. به سهرۆکایهتی ئهفسهر به جهرگێک
ناسرابوو به "ب، ئیدوارد" بهرهو ناوچهکانی خانهقین. ئهم بزووتنهوانه
ئینگلیزهکانیان تهواو شپرزه کرد و ناچاریان کردن. دهستووبرد ١٦ی ئابی دهوروبهری
دوو سهد پێشمهرگهیهکی کورد پهلاماری ئهم هێزهیان دا و ئهنجامی شهڕێکی دوو
سهعات نیویدا رێگهی پێشکهوتنیان ناوچهی خانهقین بگرنهوه و بۆڕۆژی داهاتووش
بچنهوه ناو شاری خانهقین خۆیهوه. لێره داگیرکهران (باجێکی) زۆریان خسته سهر
دانیشتووانی شارهکه به "تاوان"ى پشتگیری شۆڕش گوناهباران کردن.
داگیرکردنهوهی خانهقین نهیتوانی تهشهنهکردنی ئاگری شۆڕش بۆ ناوچهکانی تری
کوردستان بوهستێنێت، و دانیشتوانی مهنهدهلی
به عهرهب و کوردهوه دایانه پاڵ شۆڕش، و کاروباری شاریان به سهرۆکایهتی
مووسا ئهفندیهوه گرته دهست.)) تهواو، ماهو ترجمته إلى
العربية:-
"إندلعت شرارة
الثورة في كوردستان، قبل أي منطقة كوردية أخرى، في لواء بعقوبة (ديالى) في يوم
الرابع من آب عام 1920م، استطاع الكورد تحرير قزربات (المقدادية)، وهذا ما ألهب
نفوس الأهالي في خانقين من أقصاها إلى أقصاها. الفدائيون في هذه المنطقة، قاموا
بهجوم ناجح على الشركة البريطانية الإيرانية في منطقة النفط خانة، من ناحية أخرى
استطاعوا أن يقطعوا طريق القطار بين خانقين/بغداد، بغداد/كنكربان/كركوك، وبذلك
قطعوا الاتصال بين قوات الإنكليز في شمال، ووسط، وجنوب العراق، وأن يضيقوا الخناق
أمام تلك القوات التي أرسلها الإنكليز من إيران ضد الثوار. أربك هذا التصاعد
الثوري وضع الإنكليز، واضطرهم إلى توجيه قوة مسلحة بقيادة ضابط متمكن يُعرف بـ"ب،
إدوارد" إلى نواحي خانقين، في يوم 16 آب استطاعت قوة بحدود (200) شخص من
الفدائيّين الكورد، أن تكتسح هذه القوة، وتقطع عليها طريق النجاة، لذلك اضطر الإنكليز
إلى إرسال قوة أخرى، يوم 16 آب لتحتل بعض قرى خانقين، استعداداً لدخولها في الأيام
القادمة وهنا فرض المحتلون أتاوات باهظة على سكان المدينة، التي عوقبت بتهمة إسناد
الثورة. إن احتلال خانقين لم تطفئ شعلة الثورة، وجذوتها التي شبت في مختلف مناطق كوردستان
الباقية انضم سكان مندلي بعربها وكوردها إلى الثورة وأخذوا يديرون شؤون بلدتهم
بقيادة موسى أفندي.." إنتهى.
إن لجوءنا إلى مصدر كوردي،
وباللغة الكوردية، يذكر إشتراك الكورد في محافظة ديالى (لواء بعقوبة) سابقاً، وعلى
الأخص من مصدر كوردي بالذات حول اشتراك الكورد الفيليّين في ثورة العشرين، كي نثبت
بما لايدع مجالاً للشك والمساومة، في كون الكورد الفيليّين ذوي دورٍ، ولهم ماضٍ
فاعل ومؤثر، في أحداث التاريخ المعاصر للعراق، وباعتراف مصدرٍ كوردي وباللغة الكوردية
يشهد بهذا الدور.
كما يجب أن لانغفل
المصادر العربية، ودورها في ذكر مشاركة الثوار من الكورد الفيليّين في ثورة العراق
الكبرى ثورة العشرين. ومن هذه المصادر، على سبيل المثال العراق من الاحتلال إلى
الاستقلال، للمرحوم([64])
عبد الرحمن البزاز، والذي صدرت منه، حتى فترة الستينيات من القرن المنصرم ثلاث
طبعات.
وقد يكون من الضروري،
بل من الضرورة القصوى، أن نذكر بأن والي پشتكو (الجزء الإيراني من موطن الكورد الفيليّين)
حيث يُسمّى الجزء العراقي (گرمسير) بنصب الكاف (التي تلفظ كالجيم لدى المصريّين)
وسكون الراء وفتح الميم، وسكون مادون ذلك من حروف. قد عقد مع شيخ الأحواز/عربستان،
وشيخ مشايخ كعب قاطبةً الشيخ خزعل عام 1914م حلفاً أو معاهدة سميت في حينه، بحلف
السعادة لمناهضة اعتداءات الشاه (غلام رضا شاه) ملك إيران في ذلك الوقت، حيث يقول
الدكتور إبراهيم خلف العبيدي([65])
بهذا الشأن ما هو نصه:-
"عند ذلك اتصل
الشيخ خزعل بزعيم البختيارية، ووالي پشتكو، وأمير لورستان. وشكلوا حلفاً باسم (حلف
السعادة) لمناهضة رضا خان واعتداءاته على المنطقة وانتُخب الشيخ خزعل رئيساً لذلك
الحلف الذي أصبح مركزه عربستان" إنتهى.
وما ينبغي قوله:- هو
أنّ لورستان، إن لم تتمتع باستقلال فعلي عن إيران، لما تجرأ والي (پشتكو) الصوب
الإيراني من ديار الفيلية، وكذلك أمير لورستان نفسه، على الدخول في حلف السعادة
(مع شيخ الأحواز). ويظهر أنّ هذا الحلف قد وقع مع الأيام الأولى لاندلاع الحرب
العالمية الأولى عام 1914م. وشرع ينظم إليه شيوخ وزعماء آخرون، في باقي جهات
إيران، وكذلك غالبية شيوخ، وأُمراء الخليج العربي أيضاً. وهذا ما سنستعرضه لاحقاً.
وقد سمعت من أكثر من
شخص، أن (غلام رضا خان) آخر ولاة پشتكو المستقلين، قد سكّ عملة معدنية خاصة بامارته؟؟
وجدتْ منها بعض القطع والسكوك في اروقة المتحف البغدادي. غير أن نظام البعث كعادته
في مثل هذه الحالات، قد عمد إلى سحب تلك القطع النقدية عام 1980م العام الذي قام
فيه بنفي أعداد هائلة من الكورد الفيليّين، وقد أقدم هذا النظام الفاشي على ذلك،
كي يقضي على أي دليل يؤكد استقلالية الكورد الفيليّين عن الفرس!! الحجة التي تذرع
بها لإخراجهم من العراق، عند إعلان الحرب مع إيران، لأن تلك العملات، والقطع
النقدية مهما انتفت قيمتها المادية، إلا أنّ قيمتها المعنوية سوف تبقى أغنى وأكبر،
بالنسبة للأجيال اللاحقة التي ستتخذ من تلك اللقيات، من بقايا آثار الإمارة
اللورية في پشتكو، سنداً قوياً، يؤكد على أصالتهم القومية التي تميزهم عن الفرس،
ومهما كان نظام البعث المنحل يريد أن يوهم الناس بوجود صلة عرقية بين الفرس
والفيليّين.
والحقيقة إن الذي كان
يوحي لدى المؤرخين، أو البعض من المهتمين بشؤون هذه الحقبة، لاسيما المعاصرين
للفترة، التي قام فيها حلف السعادة، بين غلام رضا خان (والي پشتكو) والشيخ خزعل (شيخ
الأحواز) بعدم صلة عربستان، ولورستان الفيلية، أو إمارة اللور الصغير في (پشتكو)
بالعراق. هي الاستقلالية التي تمتعت بها هاتين الإمارتين عن سلطة العثمانيّين من
جهة، ومسايستها للملوك الإيرانيّين من جهة أخرى ثم كون هاتين الإمارتين كانتا
شيعيتين (عربستان) و(لورستان) ما جعل هويتيهما شبه العراقية غامضة بالنسبة لأكثرية
الأُسر الحاكمة الأخرى (في حالات المقارنة) السنية في مذهبها (والتي خضع بعضها
لسلطة العثمانيّين) وقاوم بعضها العثمانيون "دون جدوى" كأسرة
السعدونيّين في المنتفك، (الناصرية ، ذي قار لاحقاً) والبابانيون في (قلاجولان، السليمانية)،
هذا ثانياً.
فإن مسايسة إيران من
قبل شيوخ عربستان، وولاة (پشتكو) لم يكن معناه، إلا تجنب الاصطدام بدولة قوية، وهي
(إيران) في بداية القرن العشرين، تؤازرها (بريطانيا العظمى) المسيطرة على غالبية
البلدان والأقطار العربية، والإسلامية وقتذاك لا أكثر([66]).
وقد يقول قائل إن هذا
الكلام غير منطقي، ولا معقول بالنسبة لـ(پشتكو)، وإذا ما كان صائباً فهو صحيح
جزئياً على الأقل، بالنسبة لعربستان- الأحواز فقط.
وللرد والاجابة على هذا
الاعتراض نقول:-
أ- إن غلام رضا خان
آخر ولاة پشتكو، قد رشح لعرش([67])
العراق، قبل سقوط إمارته يتسع سنوات، حيث أن إمارة پشتكو، قد سقطت بيد إيران عام
1929م وكان ترشيح (غلام رضا خان) كي يصبح ملكاً على العراق عام 1920م، أي رُشّح
للعرش، وهو في كامل ممارسته للسلطة في إمارته.
ب- إمتداد سلطة والي پشتكو
نفسه (غلام رضا خان) وأسلافه من قبله (من الولاة، والأمراء الفيليّين) إلى داخل
الأرض العراقية، نحو جهات بدرة، زرباطية، جصان، وبخصوص هذه الحقيقة، يقول المستشرق
والرحالة الإنكليزي (لونكريك)([68]):-
"أما لورستان
الصغرى الممتدة على طول الحدود العراقية الواضحة في جهتي الزاكروس، فقد بقيت خاضعة
للسلالة الأتابكية القديمة، التابعة لملك الملوك، وكان حكمها يمتد إلى مسافة بضعة
أميال، في السهل الكائن غرب تلولها ضاماً بذلك جصان، بدرة من القرى التي يكثر فيها
السكان اللريّون حتى الآن" إنتهى.
كما أن (لونكريك)
نفسه قد اعترف، في أربعة قرون([69])
من تاريخ العراق الحديث أيضاً بما هو نصه:-
"بأن العرب
يتخلون عن الأرض إلى (اللوريّين) في قرية على نهر الروز (ويقصد بها قضاء بلدروز)
وهي محطة نصف الطريق إلى (مندلكن) يريد بـ(مندلكن) مدينة مندلي (لصعوبة نطق الاسم
على لسانه) حيث يلتقي جفاف الأرض، بأنهار التلول السريعة (يرمز بالتلول إلى
مرتفعات حمرين)، والأنهار السريعة؟ أي نهر الروز (الذي تقع عليه مدينة بلدروز)
المعروف في ذلك الوقت بسرعة جريانه واندفاعه، والذي يتفرع من نهر ديالى.
يقول عبد الجليل
فيلي:- "إن بلاد أَللُّر الأصلي، أو الكورد الفيلييْن تشمل منطقتين رئيسيتين
هما: پشتكوه (خلف الجبل)، وپيشكوه (أمام الجبل) وهي بلاد واسعة يقع القسم الاكبر
منها في الجانب الايراني، وهي تمتد من جنوب "خرم آباد" و " پروجرد"
حتى تصل الى باوه، وجوانرود شمال كرمنشاه... وتمتد الى داخل الحدود العراقية
حتى تصل الى سلسلة جبال حمرين، والضفاف الشرقية لنهر دجلة، وتشمل مدن: جلولاء،
حانقين، والنفط حانة، وسعدية (قزرباط)، ومندلي، وقزانية، وبلدروز، وبدره،
وزرباطية، وشيخ سعد، وعلي الغربي، والكميت. وبعض الاماكن الاخرى ([70])."
إنتهى
ويقول سعد بشير
إسكندر " وهو مدير الدار الوطنية ببغداد، الى جانب كونه مدير دار الكتب
والوثائق ببغداد أيضاً":- " ويقع الجزء الاكبر من مناطق لور الصغرى في
كوردستان إيران، في حين يقع جزء الاصغر في كوردستان العراق. ويتناقص هذا مع
التصور الخاطيء، بأن سكان لور الصغرى كلهم مهاجرون من مناطق عيلام، وكرمنشاه
الايرانية الحديثة، وأن العراق الحديث لايضم أي منطقة لوريه، أو أحداً من سكان
اللور الاصليين. والواقع أن بعض المناطق اللوريه هي الآن جزء من كوردستان العراق.
وسكانها يشكلون فئة كبيرة في مناطق ديالى، والكوت(واسط)، والعمارة (ميسان). وكان
هناك عدد من الجيوب اللوريه الصغيرة في مناطق الحلة، والنجف"([71]).
انتهى
كما أن عبد الرزاق
الحسني، المؤرخ العراقي الشهير في عمله القيم العراق قديماً، وحديثاً يشير الى أن
التسمية القديمة لناحية (خرناباد) في محافظة ديالى، لواء بعقوبة سابقاً هو
"خرمآباد القديمة"([72])
على غرار اسم خورم آباد مركز إقليم لورستان وهذا ما يدلل على قدم الوجود الكوردي
الفيلي في العراق دون أدنى شك.
جـ- قيام حلف السعادة
الآنف الذكر، بين أمير المحمرة والأحواز (الشيخ خزعل) ووالي پشتكو (غلام رضا خان)
وأمير لورستان (ميرزا كوجك خان)، وزعيم البختيارية يوسف خان عام 1914م، ضد
اعتداءات (غلام رضا شاه) مؤسس الأسرة المالكة الأخيرة في تاريخ إيران المعاصر الذي
أطاحت بسلالته من بعده، ثورة الجمهوريّين عام 1979م.
فلو كانت لورستان
بصورة عامة، لا (پشتكو) فقط تابعة فعلياً لإيران، لما فكر والي لورستان الصغرى
والمرشح لعرش العراق عام 1920م، وهو غلام رضا خان. في الانضمام إلى حلف يراد من
ورائه مقاومة التوسّع الإيراني. وهذا معناه أن لورستان، وعربستان كانتا خارج
السيطرة الفعلية لإيران. وإن هذا الحلف عام 1914م جاء لضمان استقلال الأطراف التي
دخلت فيه.
وقد كان هذا الحلف من
الاتساع، إلى درجةٍ ان انضم إليه أمراء الكويت، والبحرين، وقطر، والسعودية. راجع
الصفحة (100) من الأحواز عربية، الجزء العاشر، تأليف خير الله طلفاح؟؟؟ صدر عام
1980م إني آثرت أن أذكر هذا المصدر الذي وضعه خال الدكتاتور صدام المقبور، وهو
واحد من عشرات الكتب، والمصادر التي انتشرت في زمن نظام البعث المنحل، كدليل من
زمن هذا النظام في مواجهة كل من بقيت في نفسه أمراض عقائدية انتقلت إليه بالعدوى
من هذا الحكم، من الذين قد ينفون هذه الحقيقة.
فتصور رغبة هذه
الأطراف المشاركة في هذا الحلف في مقاومة التوسّع الإيراني، ورغم كل ذلك يقال بأن
لرستان في تلك الأيام خضعت لإيران، ونسأل كيف ذلك؟ وهذا واقع العلاقة من هذه
المصادر التي أشرنا إليها بين هذه الأطراف المختلفة، والبيت المالك في إيران في
ذلك الوقت.
هـ- إطلاق تسمية (عرب
ريواري) من قبل الإيرانيّين أي العرب الجوالة –العرب الرحالة، على كافة القرويّين
والرُعاة من الكورد الفيليّين. لاسيما القاطنين منهم في إيران بالقرب من حدود
العراق، أو بمحاذاته. وهذا ما سمعته بنفسي من المعمرين، والمطلعين من الفيليّين
أنفسهم.
والحقيقة أن وضع
هؤلاء الرعاة، كقسم من الكورد الفيليّين لايختلف عن وضع الرعاة والبدو من العرب!! المقيمين
بالقرب من الحدود مع السعودية، وسوريا، والأردن. فوضعية هؤلاء الرعاة، وضع الراعي
الغني المنتقل عبر الحدود. والذي لايعبأ بالحكومات وسياساتها المتعارضة مع بعضها،
والخلافات بين البلدان التي يتجول عبر حدودها لأن هؤلاء الرعاة في الحقيقة، لايعون
من أمور الدنيا غير زيادة ثروتهم المادية القائمة على المتاجرة بالأغنام.
يذكر عبد الكريم محمد
رؤوف القطان([73])،
في مذكرات من جنوب العراق:-
"ولقد سنّت
وزارة النقيب الثانية سنة 1921م القانون الأساسي للحكومة العراقية، وكانت المادة
(16) تنص على أن العراقيّين متساوون في التمتع بحقوقهم المدنية، وأداء واجباتهم، وتعهد
إليهم الوظائف بدون تمييز، وكلٌّ حسب اقتداره، وأهليته. ولكن المادة عُدّلت في
الوزارة النقيبية الثالثة عام 1934م، بحيث أصبحت بعد التعديل كالآتي: العراقيّون متساوون
في التمتّع بحقوقهم المدنية، والسياسية، وأداء ما عليهم من الواجبات والتكاليف
العامة، وإلى العراقيّين الأصليين وحدهم يُعهد بالوظائف العامة، بدون تمييز كلٌّ
حسب اقتداره إلا في الأحوال الاستثنائية، التي يعينها القانون. لقد فُسّرت عبارة
(العراقيّين الأصليين) بأولئك العراقيّين الذين يتمتعون بتبعية عثمانية؛ ولما كان الشيعة
في العراق قد ذاقوا الأمرين من الجور والظلم العثماني وكانوا مضطهدين لأنهم يدينون
بالمذهب نفسه الذين تدين به، عدوتهم اللدود الدولة الفارسية، لذا لم يكن يُتوقّع
بأن يعاملوا من قبل السلطة الوطنية التي قامت على أُسس طائفية معاملة متساوية. وعندما
سُنّ قانون الجنسية العراقي لأول مرة كانت النسبة الأكبر من الشيعة، تعتقد أن هذا
القانون لايُبدّل شيئاً من وضعها الاجتماعي، فلم تبادر إلى تسجيل أبنائها
كعراقيّين، ولم تقدم المستندات اللازمة، إلا في زمن متأخر، فحسبوا عراقيّين
متجنسين، بالرغم من أنهم أبناء البلد الأصليّون" إنتهى.
ولنتابع ما بدأناه: ولاشك
بأن إطلاق إسم العرب الرحالة (عرب ريواري) على هؤلاء الكورد، قد جاء لسببين:-
أولهما- لاعتبارهم من
جملة العراقيّين عموماً، والذي تغلب العروبة على الأكثرية من سكانه.
ثانيهما- لتشابه
مظاهر الحياة، والمعيشة مع العرب لاسيما الرعاة، والغنامة، ومن يحيا حياة البداوة
من هذه الشريحة.
رابعاً- إن لم يكن للكورد
الفيليّين وجود في العراق، قبل قيام الدولة العراقية الحديثة عام 1921م، فكيف
رُّشح (غلام رضا خان) آخر ولاة پشتكو لعرش العراق، وذلك قبل تأسيس المملكة
(الدولة) العراقية الحديثة عام 1921م. أليس معنى ذلك، أن ما دفع الإنكليز، إلى
ترشيح هذه الشخصية (لو تقبلها دون منازع) من بين الكورد الفيليّين، وجود
شريحة كبيرة من الفيليّين المحليّين في العراق، سيستند إليها هذا الشخص (الكوردي
الفيلي) في حالة ما إذا قبِل بتبوء العرش في العراق. هذا أمر.
أمر آخر من الضرورة
أن لاننسى، أنه كيف لنا أن نصدق بأنه لا وجود فعلي للفيليّين في العراق، أو أنه
على الأقل، لاتوجد أقسام عراقية بالفعل من هذه الشريحة، ونحن نرى الأغلبية الساحقة
من عرب الوسط، والجنوب من العراق كانت ولا زالت تلقب أول رئيس فعلي للجمهورية في
العراق عام 1958م بلقب الفيلي، خاصةً إذا ما أرادوا أن يجاملوا شخصاً علموا بأنه
من هذه الشريحة، طالما كان الزعيم كوردياً فيلياً من جهة أمه([74]).
خامساً- بروز جملة من
مشاهير العراق تأكد أنهم من هذه الشريحة نحو: عزيز الحاج، مؤسس اللجنة المركزية في
الحزب الشيوعي العراقي، حبيب الملة كريم الذي وصل إلى تولي سكرتارية الحزب
الديمقراطي الكوردستاني العلامة مصطفى جواد، ولا ينفع إنكار الناكرين للهوية
الفيلية لهذا العلامة، ولو صح أنه كان تركمانياً لما أقدمت الدولة في عهد النظام
الغابر، إلى إزالة تمثاله الشخصي من مدخل مدينة تيلتاوة/الخالص حالياً، الشاعر محمد
مهدي الجواهري([75])،
الذي أنشد القصائد الحماسية الكثيرة في حُبّ ثورة أيلول، وقائدها الخالد الملاّ
مصطفى البرزاني الموسيقار نصير شمة والأديب، والكاتب، والصحفي اللامع جعفر الخليلي
والباحث المعروف الدكتور علي الوردي([76])،
وإن واصلنا الحديث في ذكر مشاهير هذه الشريحة، فسوف لاتتسع الصفحات ولن تكفينا المؤونة.
ونكتفي مما ذكرنا بهذا القدر، دفعاً للإطالة.
إتخاذ شيوخ كعب في إمارة المحمرة، مثل الشيخين جابر بن
مرداو، ومزعل بن مرداو، والشيخ خزعل بن جابر مسمى الـ" فيلي" لقباً لهم
وصلة ما قاموا به بلقب الكورد الفيليين. الاسباب والظروف!!
وتعود الاعتبارات، والبواعث في إتخاذ شيوخ المحمرة
الأواخر الشيخ مزعل، والشيخ جابر الأخوان. وإبن الشيخ جابر الشيخ خزعل، والذي
إنتهت في عهده حكم هذه الامارة العربية بسقوطها في يد الايرانيين عام 1925م.
مُسمّْى الفيلي لقباً رسمياً لهم الى المساعدة التي قَدَّمها ([77])
حيدرخان، والي بشتكو الى الشيخ جابر بن مرداو، أثناء الحملة الانكليزية التي
قام بها السير جيمس أوترام([78])
Sir James Oatram ــ على
المحمرة عاصمة إمارة كعب في الاحواز، في 26 اذار عام 1857م. مما دفع بالشيخ جابر
بن مرداو الى اتخاذ هذا اللقب "عرفاناً بالجميل" الذي أسداه الوالي
حيدرخان من ارسال حشود ضخمة من المقاتلين الفيليين، لنصرته أمام قوات الغزو
الانكليزي على امارته. (وقد إتَّخَذَ خلف الشيخ جابر في الحكم متمثلاً بالشيخ
خزعل الكعبي هذا اللقبّْ أيضاً كما تقدم). ويبدو ان وقع وتأثير هذه النجدة، أو
المساعدة العسكرية قد ترك صداه عميقاً وكبيراً جداً في قلب الأمير العربي، أي
الشيخ جابر الكعبي مما حدى به الى بناء مدينة عامرة باسم الفيلية، وقد كانت
معسكراً لاولئك المقاتلين الاكراد من الفيليين باديء الأمر. إتخذها عاصمةً ثانية
بعد المحمرة لامارته. نتيجة لمرابطة قوات عسكرية من الكورد الفيليين فيها، أرسلهم
والي بشتكو عام 1857م لصد الغزو الانكليزي على هذه الامارة كما مّْر وعندما وجه
الكاتب الكوردي، المعروف "حسين احمد الجاف" سؤالاً بخصوص العلاقات التي
كانت تربط "ولاة ﭙشتكو " الفيليين بالشيوخ والعشائر العربية؛ أجاب
"حياة إسفنديار" وهو حفيد الوالي الأخير على "لورستان الصغرى"
الوالي الأخير كان "غلام رضا خان" وضمن لقاء أجراه الكاتب المذكور مع
حفيد الوالي الأخير، وذلك في العدد "66" من "مجلة شمس
كوردستان" عدد آذار عام 1984م، الصفحة 17. أجاب الثاني "حياة
إسفنديار" بما هو نصه:-
"لقد كانت علاقاتنا بالعشائر العربية المجاورة، على
العموم جيدة وخاصة بعشائر "بني كعب" حكام المحمره، وبعشائر بني لام
وغيرها من العشائر. ويشهد التاريخ على مناصرة جدنا الاكبر "حيدر خان"
للشيخ جابر بن مرداو، والد الشيخ خزعل أمير المحمرة عندما طلب الى جدنا نصرته
لصدّْ هجمات الغزاة الأجانب على منطقة الخليج العربي. وإعترافاً من الشيخ جابر
بجميل أصدقائه من الكورد الفيليين له، ودفاعاً عن المنطقة برمتها أطلق الشيخ جابر
إسم الفيلية على منطقة واسعة كانت تُعسكر فيها قوات الكورد الذين قَدَّموا
المساعدة في صَد الغزو الأجنبي. وماتزال المنطقة المذكورة تحمل ذات الاسم الى
يومنا هذا" إنتهى.
وزيادة في إيضاح الظروف والملابسات التي أدت الى هذا
الهجوم على المحمره، من قبل الانكليز. نعرض المقتطف أدناه من كتاب حكم الشيخ خزعل
في الاحواز، للكاتبة والباحثة العراقية إنعام مهدي علي السلمان، والصادر في بغداد
عام 1985م، حيث جاء في الصفحات 60، 61 من الكتاب المذكور:-
"وخلال الخمسينيات من القرن الماضي "وتقصد
الكاتبة خمسينيات القرن التاسع عَشَرْ" قامت بريطانيا باحتلال المحمره،
معلنةً أيضاً أنها قامت بهذا العمل رَدّاً على مهاجمة القوات الايرانية، لبعض
المؤسسات البريطانية في بلاد الافغان، لذلك أتخذت بريطانيا من ذلك حجة للتدخل
وإشتعلت نار الحرب بين الدولتين، حيث تقدم القائد الانكليزي السير جيمس أوترام – Sir James Oatram على رأس قوة
من الجيش تعدادها ستة آلاف جندي في شط العرب، ومن جزيرة "أم الرصاص" في
الجانب العراقي قصفت المدافع البريطانية، مدينة المحمرة، في 26 آذار عام
1857" انتهى.
والرأي عندي أن شيوخ المحمرة الأواخر، قد لجأوا الى هذا
التدبير كي يدفعوا عن إمارتهم غائلة التوسُّع الايراني العسكري مستقبلاً بتقبل
توسُّع سياسي شكلي، لأمراء الفيليين في لورستان الصغرى المتمثلة بجهات "ﭙشتكو"، على إمارة المحمرة الناهضة في عربستان.
بينما كانوا من الناحية الواقعية، والعملية أي الشيخ مزعل، والشيخ جابر، والشيخ
خزعل هم الأمراء الحقيقيون، والمشرفون الفعليون على شؤون قبيلة كعب في دولتهم
الفتية في الأحواز، متمثلاً بمركزها وعاصمتها مدينة المحمرة. الشهيرة. وهذا مايدلل
على مبلغ النفوذ والتأثير الذي بلغه أمراء لورستان الفيليون في ﭙشتكو، حتى حازوا على هذه المكانة من إتخاذ أمراء كعب،
للقب الفيليه على غرار خطى حلفائهم من أمراء الكورد في ﭙشتكو، الذين إتخذوا لقب الفيلي، والفيليه عنواناً قومياً، ولقباً فخرياً
لهم.
على كل حال إن إتخاذ أمير المحمرة جابر بن مرداو([79])
لقب الفيلي للأسباب التي أوردناها، هو ما أوهم الكثيرين من عرب الجنوب العراقي
برجوع الكورد الفيليين الى العرب؟!! إعتقاداً منهم بان هذا اللقب طالما حمله البعض
من أمراء كعب في المحمرة، وباقي عربستان فهو لقب عربي إذن؟!
ويظهر أن هذا الاعتقاد، من الاخطاء الشائعة الكثيرة التي
وقع فيها المجتمع العراقي، الذي تعامل بتذبذب وإزدواجية مع الكورد الفيليين!!
في نفس الوقت الذي كان فيه باقي العراقيين يلوذون
بالهدوء والصمت حيال تدابير إخراج الكورد الفيليين من العراق الى ايران، في فترة
تصاعدت فيه وتيرة الاشتباكات العسكرية بين الدولتين الجارتين، خلال الحملة التي
عُرِفت بتسفير التبعة من الايرانيين، اي ذوي التبعية الايرانية، في ثمانينيات
القرن المنصرم. والحديث يطول في تفاصيل هذه الظاهرة وملابساتها غير أن تطرقنا لهذه
الاخبار التاريخية المهمة بخصوص الخلط الذي يخوض فيه البعض، حتى من بين الكورد
الفيليين أنفُسِهِمْ، ونتيجة لاتخاذ بعض شيوخ قبيلة كعب العربية لاسيما الشيوخ
الأواخر في إمارة المحمرة، التي بقيت قائمة، حتى عام 1925م لقب الفيلي جاء للتعريف
باسباب هذا الاعتقاد لدى عرب الجنوب العراقي بعروبة الفيليين، وهو محض وهم، ومجرد
خيال ليس له ما يؤكده من أدلة قوية، وأسباب مقنعة جاء لوضع الصورة في إطارها
الصحيح.
بصمات واضحة تركها الكورد الفيليون، في حياة الدولة العراقية الحديثة منذ
تأسيسها عام 1921م.
1.
أول مقياس ماء
في بغداد، ويحمل الرقم (1) هو لكوردي فيلي في عكد الاكراد، وكان هذا البيت الذي
نُصب فيه هذا المقياس باسم المرحوم (محمد مامه زمان)([80])
وزوجته المرحومة (خديجة رستم) من عشيرة دوسان (دوستان) الفيليه.
2.
أول وثيقة خدمة
عسكرية ، في بداية تأسيس الجيش العراقي هي باسم مواطن من أصل كوردي فيلي، هو الحاج
(أحمد طهماز هواز عوض علي)([81])
أمد الله بعمره، والمولود عام 1907م، والمقيم حالياً في مدينة كرمنشاه بعد تسفيره
الى إيران عام 1980م.
3.
أول سائق قطار، يمر من فوق جسر
الصرافية الحديدي ببغداد، وذلك في عام 1936م، مواطن كوردي فيلي، هو المرحوم (مجيد
الفيلي)([82])
والذي كان يلقبه أقرانه ومعارفه بـ (مجيد كسل) وقد كان من سكنة سوق الصدرية
المعروف والمقابل لعكد الاكراد الملاصق لمرقد الشيخ عبد القادر الكيلاني.
4.
اول قاضية في العراق وهي (زكية اسماعيل حقي) من
الكورد الفيليين . (راجع صفحة 19 من كتابنا الكورد الفيليون الامس و الغد)
الهوامش
([8]) يقول المغفور له المحامي نجم سلمان مهدي، في
عمله الخالد الفيليّون الصفحة 23، (طبعة دار آراس عام 2009)، "عرّفَ جورج. ن.
كرزن كلمة فيلي بمعنى الثورة، وذكرها هنري فلد بمعنى المتمرد، والعاصي. كما وردت
كلمة فيلي في المصادر التاريخية الأخرى بمعنى الشجاع والفدائي، والثائر، أما أصل
الأكراد الفيلية فقد نسّبه هوكو كروته إلى العيلاميّين القدماء بقوله:-
"حينما أرى وجه الفيلي الحالي، فإنه يذكرني بالهيتيين، ويتجسم أمامي كل
الأقوام التي عاشت قبل آلاف السنين، ولايُستبعد بأن يكون الفيليّون، من بقايا
العيلاميّين القدماء وفي عقيدتنا الخاصة أيضاً أن أصل الأكراد الفيلية من
العيلاميّين القدماء أساساً. وأصل تسميتهم بالفيلي في رأيي مشتق من إسم الملك
العيلامي (Peli) الذي أسّس سلالة باسمه
في عيلام، وأنجبت هذه السلالة أكثر من إثني عشر ملكاً، بدءاً بحكم بيلي حوالي
العام 2670 ق.م وإنتهاء بحكم الملك (بوزر إنشوشيشناك) في 2220 ق.م. وأطلق هؤلاء
الملوك على سلالتهم ورعيتهم معاً إسم بيلي، نسبةً إلى بيلي مؤسس هذه السلالة. ولكن
المؤرخين أشاروا إليهم في كتبهم تحت عنوان سلالة (أوان) نسبةً إلى إسم مدينتهم العيلامية
(أوان). وقد أثبت البروفيسور جورج كامرون قيام الملك پيلي (Peli)
العام 2670 ق.م من مدينة الشوش إبتداءاً." إنتهى.
راجع
كذلك: قصة الحضارة، وولي ديورانت، الصفحة 270، الجزء الثاني، ترجمة: محمد بدران،
القاهرة، 1950م.
راجع
كذلك: الرافدان، سيتون لويد، ترجمة: طه باقر وبشير فرنسيس، اكسفورد، د.ت، الصفحة
98.
([44]) تقول هذه المصادر بأن الفهلوية لغة منسوبة
إلى (فهلة) وبلاد فهلوي، فلو أردنا أن نقوم بتنسيب شخص إلى هذه البلاد لقلنا فهلي.
نذكر من هذه المصادر مثلاً ظهور الكورد في التاريخ للدكتور جمال رشيد أحمد على
ثلاثة أجزاء، طبعة أربيل عام 2005م، كما أن الدكتور محمد تقي جون يؤيد هذا الرأي
في كتابه المشوق "قصة الكورد الفيليّين"، ص53.
"ورغم
أن أبناء هذه الشريحة الواسعة يعتبرون أنفسهم، جزء لايتجزأ من الشعب الكوردي ولغة
القسم الأول يعني الفيلي بلا شك هي أقرب إلى الكُرمانجية الشرقية من الفارسية، وهم
يعرفون ذلك ولايشكون بكورديتهم- محمد أمين زكي في خلاصة تاريخ الكورد وكوردستان...
إلا أن المؤرخين على اختلاف مشاربهم، اختلفوا في تحديد إنتمائهم القومي، فبينما
يعتبرهم قسم من هؤلاء المؤرخين جزء من الشعب الكوردي، يميل آخرون إلى اعتبارهم جزء
من الشعب الفارسي، أو يعيدون أصولهم إلى العشائر العربية ويذهب آخرون إلى أبعد من
ذلك، فيعتبرونهم قومية مستقلة كالقوميات الآرية الأخرى. ويستندون على ذلك ببعض
الفوارق الموجودة بين مفردات اللورية، واللهجات الكوردية الأخرى، وفي كيفية تكوين
الجمل، وتلفظ بعض الكلمات. ولم يقتصر هذا التصور على مجموعة من المؤرخين من غير الكورد
فقط، بل توسعت دائرته لتشمل اليوم مجموعة من الساسة الكورد في العراق أيضاً. وأخص
بالذكر منهم السيّد نوشروان مصطفى، والدكتور كمال فؤاد وهما عضوان قياديان في
الاتحاد الوطني الكوردستاني" إنتهى.
([67]) راجع: العراق دراسة في تطوره السياسي، فيليب
ويلارد، ترجمة: جعفر الخياط، بيروت، عام 1949، ص238.
راجع
كذلك: دور الشيعة في تطور العراق السياسي، عبد الله فهد النفيسي، بيروت، عام
1973م، الصفحة 179.
راجع
كذلك: اللور (الكورد الفيليّون) بين الماضي والحاضر، السويد، مالمو عام 2001م،
ص101.
([74]) الإثنية والدولة، الأكراد في إيران،
والعراق، وتركيا، ترجمة: فالح عبد الجبار، وهشام داود، بيروت-بغداد، عام 2006،
راجع الصفحة (318).
- أنظر:
حفريات سوسيولوجية في الإثنيات والطوائف والطبقات، إسحاق نقاش وآخرون، بيروت، عام
2006م، راجع الصفحة (225).
- أنظر:
الكورد الفيليّون، محاولة في معرفة أصلهم، وفصلهم، برهان الشاوي، بغداد، عام 2008،
راجع الصفحة (45).
([79]
) جاء في الصفحة 24 من الفيليون
لنجم سلمان مهدي طيب الله ثراه، طبعة مالمو- السويد عام 2001م، وفي الصفحة 28 من
الفيليون أيضاً لنجم سلمان مهدي كذلك الطبعة الثانية طبعة دار آراس- أربيل عام
2009م:-
كذلك الحال بالشيخ (خزعل
الكعبي) الذي كان يسمي أتباعه بالعرب الفيليه، ويطلق على أرضه المثلثة الشكل،
والمحصورة بين نهر الكارون وشط العرب اسم (أرض الفيليه)، وحتى قصره الفخم الذي
بناه أطلق عليه إسم قصر الفيليه. وكان قبله أخوه (الشيخ مزعل) قد أطلق على أراضيه،
إسم الفيليه، وكذلك له سجن باسم الفيلية أيضاً" انتهى.
على العموم ننصح بمراجعة
الصفحات 213، 214، 215، 248، 395 من ايران وقضية ايران جورج .ن. كريزون صادر في
لندن عام 1892م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق